يشكل ما يسمى بـ «الأمن الإسرائيلي» جزءاً من الأمن القومي للولايات المتحدة الذي تستند إليه في حماية مصالحها.
وطالما أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة يعد جزءاً أساسياً من «أمن إسرائيل»
حسب المفهوم الغربي بشكل عام، فإن الولايات المتحدة ليست في وارد مقاومته، خصوصاً أن الإدارة الأميركية الحالية، كما الإدارات التي سبقتها عاجزة عن ممارسة أي ضغط على «إسرائيل» أو الأصح، غير راغبة في ممارسة هذا الضغط، خصوصاً بعدما بسط الأخطبوط الصهيوني نفوذه على مفاصل القرار الأمريكي المتعلق بالشرق الأوسط وماله علاقة بما ألزمت به واشنطن نفسها من احتضان لهذا الكيان العنصري الغاصب.
ومن هذا المنطلق باتت الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأعظم في العالم تقف خلف«إسرائيل» وتبارك خطواتها، أكان ذلك في رفضها التام للسلام العادل والدائم في المنطقة أم في موضوع التهويد والاستيطان وسن التشريعات التعجيزية للانسحاب من الجولان السوري المحتل والقدس، وتحويل المدينة المقدسة إلى«عاصمة للشعب اليهودي».
لاشك أن هذه التشريعات تدخل في صلب العقيدة الصهيونية المستندة إلى أساطير تلمودية نرى أن كل الأراضي الفلسطينية هي جزء من«أرض إسرائيل» المزعومة.
إسرائيل تمضي قدماً في تنفيذ وعد «الدولة اليهودية» والولايات المتحدة تفشل في إقناع حكومة الارهابي بنيامين نتنياهو بتجميد البناء في المستوطنات لمدة ثلاثة أشهر رغم الهدايا المجانية الهائلة التي قدمتها واشنطن لتل أبيب، تحت عنوان«هدية أوباما المخجلة» كتب المحلل السياسي الأمريكي «مارك بيري» يقول: أمريكا في الشرق الأوسط عاجزة عن أي تحرك مالم تحصل على موافقة«إسرائيل» فالجنرال ديفيد بترايوس على سبيل المثال: أثار جدلاً عندما اعتبر في شهادة أمام الكونغرس الأميركي في آذار الماضي أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني يثير مشاعر معادية لأميركا.
فما كان من الوزيرة هيلاري كلينتون إلا أن سارعت إلى تطمين «الإسرائيليين» إلى أننا ملتزمون بأمن «إسرائيل» وهذه لازمة رددها حرفيا باراك أوباما وجو بايدن وكل مسؤول أميركي حالي أو سابق حمل ميكفروناً.. وكل ذلك يوضح أن إدارة أوباما لم تفهم المسألة.. المسألة كما يقول بيري ليست ما إذا كنا ملتزمين بأمن«إسرائيل»، وإنما مسألة ما إذا كانوا هم ملتزمون بأمننا.
هذا التأييد التام لـ«إسرائيل» هو الآن جزء لا يتجزأ من سياستنا العامة ويمتد ليشمل كل قسم في الحكومة الأميركية وما يتجاوزها.
فعندما أدلت إيلينا كاغان بشهادتها أمام الكونغرس خلال جلسة الاستماع بشأن تثبيت تعيينها قاضية في المحكمة العليا استشهدت بالحقوقي الإسرائيلي آهارون باراك الرئيس السابق للمحكمة «الإسرائيلية» باعتباره مثلها الأعلى.
يتابع بيري قائلاً: بترايوس يخاف اللوبي الإسرائيلي، فعندما انتقده أنصار «إسرائيل على شهادته أمام الكونغرس في آذار الماضي، تراجع عما قاله وبعث برسالة عبر البريد الالكتروني إلى قطب المحافظين الجدد«ماكس بوت» ليطلب نصيحته:
وحتى المستشارة الالمانية «أنجيلاميركل» عندما ألقت خطاباً أمام الكونغرس في تشرين الثاني 2009 لم تتحدث عن أمن أميركا أو أمن ألمانيا، وإنما تحدثت عن «أمن اسرائيل» وقالت: إن أمن اسرائيل بالنسبة لي غير قابل للمساومة، وكل من يهدد «اسرائيل» إنما يهددنا نحن.
هذا الكلام كما يقول المحلل السياسي مارك بيري أثار دهشة حتى مساعدين في الكونغرس معروفين بمناصرتهم لاسرائيل، وقال أحدهم: ربما اعتقدت «ميركل» أنها كانت تتحدث أمام الكينيست وليس الكونغرس.
الولايات المتحدة.ليست ملتزمة بأمن اسرائيل فحسب. بل تعمل على إحباط جهود منظمات دولية لانتقاد «اسرائيل» أو سحب الشرعية منها واسكات منتقديها أينما كانوا ويتابع الكاتب قائلاً: إن أحدث وعد من أوباما لاسرائيل لهو مذل ومخجل وجبان إذ إن بلدنا -رئيسنا- يكافىء قائداً أجنبياً «نتنياهو» تباهى مرة علانية بأن أميركا «شيء يمكن تحريكه بسهولة» ونحن ندفع لاسرائيل حتى تفعل شيئاً في مصلحتها وليس لنا فيه مصلحة تذكر.
مارك بيري لم يكن الوحيد الذي تحدث عما عرضته الولايات المتحدة على اسرائيل بل أثار انتقاد واستهجان المراقبين والصحفيين الذين كان على رأسهم رامي خوري الذي كتب في صحيفة ديلي ستار 27/11/2010 يقول: «بهذا النوع من خدمة المصالح الأمنية الاسرائيلية ترتكب الولايات المتحدة ثلاثة أخطاء كبرى أولها: المخاوف الأمنية التي تأتي في سياق تاريخي أظهرت فيه اسرائيل مراراً وتكراراً وعلى مدى عقود طويلة أنها لا تثق إلا بنفسها لتأمين أمنها.
وبوسع الولايات المتحدة أن تعطي اسرائيل المال والتكنولوجيا والدعم الدبلوماسي ولكن «أمن اسرائيل» لن يوكل إلى جهات خارجية وكلما زاد رضوخ الولايات المتحدة للمطالب الأمنية الاسرائيلية المرتكزة على حجج أمنية كلما خرجت اسرائيل بمطالب جديدة تدعي أنها حيوية لأمنها.
الخطأ الثاني حسب خوري هو أن هذا النهج وضع الهموم والحقوق الفلسطينية في المرتبة الثانية وهو الأمر الذي ظل من الأسباب الرئيسية لفشل عملية السلام بوساطة أميركية منذ سبعينيات القرن الماضي.
أما الخطأ الثالث فإن هذا النهج في الدبلوماسية ينزع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة من عملية حل الصراع ويحولها إلى عامل تابع للشؤون الأمنية الاسرائيلية والاملاءات السياسية المحلية الاسرائيلية المرتبطة بالحفاظ على أغلبية برلمانية لحكومة الائتلاف القائمة.
أميركا، حسمت موقفها النهائي بالوقوف إلى جانب «اسرائيل» ومواقفها الرافضة للسلام، والعرب مازال يراهنون على واشنطن لإيجاد حل يريحهم من عبء الصراع مع اسرائيل.
إن التهرب العربي من تحمل مسؤولياته هو فرصة مثالية للكيان الصهيوني كي يستكمل خطوات التوسع والتهويد طالما يدرك أن حدود ردود الفعل العربية لن تتجاوز الشجب والاستنكار والأمانة، وهذا لاقيمة له في موازين القوى