من يذكر كيف تمت تنحية المدير العام السابق لقناة الجزيرة محمد جاسم العلي من منصبه بعد احتلال العراق مباشرة، وفي سيناريو مشابه لسيناريو تنحية وضاح خنفر بعد احتلال ليبيا مباشرة؟
للذكرى علها تنفع فقد اتهم محمد جاسم العلي حينها بالعلاقة مع صدام حسين وذلك عبر تقرير كتب في جريدة (وول ستريت جورنال) وبناء عليه استغني عن خدمات الرجل وأعطي مبلغا كبيرا من المال استغله في أعمال البورصة التي جعلت منه ثريا كبيرا خلال سنوات. نحن اليوم نشهد نفس السيناريو بالكامل مع وضاح خنفر عبر تسريب معلومات عن ويكيليكس تفيد بتعامله مع الاستخبارات العسكرية الأميركية ومن ثم استكمل سيناريو الاستغناء عن خدمات خنفر عبر بيان "استقالة طوعي"، على غرار ما حصل مع جاسم العلي، وأجزم أنه سوف يعطى مبلغا مهما من المال لينصرف إلى العمل التجاري الخاص كما قال ولعله أيضا سيعمل في البورصة العالمية على غرار سلفه جاسم العلي.
لماذا استغني عن خدمات وضاح خنفر؟
يعود هذا الأمر إلى سببين أساسيين: أدى سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا تحت ضربات حلف الأطلسي الجوية وبمشاركة مباشرة من قوات برية فرنسية وبريطانية عملت وما زالت تعمل على الأرض الليبية إلى عملية التغيير الواسعة التي تشهدها حاليا قناة الجزيرة التي عملت رأس حربة في الحرب على ليبيا طبقا لما هي عليه سياسة دولة قطر مالكة القناة وصاحبة القرار فيها، وهذا الأمر حصل أيضا بعد احتلال العراق، ويعود هذا بالتحديد إلى أن الدور الذي كان منوطا بقناة العائلة الحاكمة قبل احتلال هذين البلدين العربيين تغير بعد سقوط النظام في العراق عام 2003 وفي ليبيا عام 2011.
أما السبب المباشر فيعود إلى مرحلة ما بعد سقوط النظام والبلد والتي سوف تتولى فيها القناة عملية امتصاص الأخطاء الناجمة عن إسقاط النظام الليبي عبر الناتو فضلا عن اللعب على تنصل القناة وقطر من كل ما حدث في ليبيا والانخراط في عملية مساعدة أميركا والناتو على إدارة الأزمة كما حصل في العراق.
السبب الثاني في عملية التغيير يعود إلى المواجهة مع سوريا التي تخوضها قطر والجزيرة بمشاركة الدول نفسها التي قصفت ليبيا حيث حصل تغيير على الاستراتيجية الأميركية التي كانت تعتبر الإخوان المسلمين مرتكزا يمكن من خلاله إسقاط النظام في سوريا، وذلك بناء على نصائح كل من أردوغان وحمد بن جاسم. غير أن دخول الإسلاميين مباشرة في هذه المعركة شد عصب الأقليات الإسلامية وغير الإسلامية في سوريا وبلاد الشام فضلا عن الشيعة في المنطقة، وهذا ما ثبت النظام في دمشق وجعل له غطاء محليا وإقليميا قويا ناهيك عن الغطاء الدولي الذي تؤمنه له كل من روسيا والصين. وقد ازداد الأمر تعقيدا بعد دخول الفاتيكان على خط دعم بقاء الأسد عبر تصريحات البطريرك اللبناني الماروني مار بشارة الراعي في باريس وعبر نداءات المسيحيين السوريين في هذا الاتجاه.
وهذه الجبهة التي شكلت تلقائيا في وجه حركة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية المتحالفة مع الناتو لإسقاط الأسد جعلت المخطط الأميركي والخليجي يدخل في مرحلة الاحتضار ما اقتضى عملية تغيير في إدارة الجزيرة كونها أداة التحريض الأساس في الشأن السوري، وعماد عملية التغيير هذه هو التقرب من الأقليات الإسلامية وغيرها في سوريا وبلاد الشام علها تكسب ودّهم خلال الفترة المقبلة مما يساهم في تفتت جبهة الأسد الحصينة وإسقاط النظام من الداخل بعد أن أيقن الجميع أن التدخل العسكري على الطريقة الليبية أمر لا يمكن تطبيقه في سوريا.
أما الأدلة على هذا التحول فيمكن تفصيلها بالنقاط التالية:
أ – حديث وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن المخاوف المحقة للأقليات في الشرق الأوسط من وصول المتطرفين الى الحكم في دول مثل سوريا.
ب – كلام البطريرك الراعي في باريس والذي يعبر مباشرة عن توجيهات الفاتيكان الرسمية في هذا الاتجاه.
ج – ابتعاد قطر بشكل مفاجىء عن إعلان المجلس الوطني السوري في اسطنبول والذي طغت عليه صبغة الإخوان المسلمين بعد أن كانت داعية أساس لتأسيسه. ومعلوماتنا المؤكدة تقول في هذا الشأن أن أمرا قطريا صدر لبرهان غليون بالعودة من مطار اسطنبول وعدم حضور حفل الإعلان عن المجلس الذي كان غليون نفسه مرشحا لرئاسته.
د – عودة البرامج السياسية التي يقدمها صحافيون من الأقليات إلى شاشة الجزيرة كما حصل في برنامج الاتجاه المعاكس آو في عودة سامي حداد إلى القناة.
ه – الاتصالات الحثيثة والمكثفة التي تجريها الجزيرة مع وجوه صحافية وإعلامية من الأقليات كانت تظهر دوريا على الجزيرة، وقد اطلعنا على رسائل بريد الكتروني وصلت لبعض من نعرف، وعددها الكبير خلال أسبوع مع طريقة الإلحاح المتبعة تغني عن أي شرح.
و – الطلب من كل معارض سوري تستقبله الجزيرة الحديث بشكل إيجابي عن الأقليات.
في حديث مع شخصية سورية محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين ومقيمة في باريس، قال محمد الحارثي وهو احد أعضاء لجنة الأمم المتحدة التي زارت سوريا الشهر الماضي للشخصية الإخوانية: "كيف يمكن أن نجعل الأقليات تتخلى عن الأسد"؟ فما كان من الإخواني الستيني إلا أن أومأ بيده للحارثي وقال له: "انتظر ستة أشهر، فالجميع سوف يأتي إلينا". أما محمد الحارثي هذا فقصته وحدها تكفي لكشف حجم المؤامرة المحاكة غير أنه لكل مقام مقال...
نضال حمادة23/9/2011موقع المنار