لم يكن مفاجئاً طلب مجلس النواب الأميركي عدم تمويل العمليات العسكرية في ليبيا ومنع استعمال أموال الميزانية لهذا الهدف التي طالب بها أوباما لتغطية نفقات الحرب في ليبيا فالكونغرس
يعرف أكثر من غيره أن المزيد من النفقات على الحروب تعني شيئاً واحداً وهو السقوط المريع للاقتصاد الأميركي بوتيرة أسرع مما توقعها الخبراء الأميركان الاقتصاديون الذين يؤكدون بأن الاقتصاد الأميركي الذي يعاني أساساً من أزمة دورية بنيوية خطيرة أدت إلى تراكم ديون داخلية وخارجية تقدر بـ 14 ترليون دولار سينهار حتماً في آب القادم على أبعد تقدير إذا لم تتخذ الإدارة الأميركية إجراءات وقائية سريعة للميزانية تبعد ولو لحين شبح الانهيار الاقتصادي الشامل وهذا ما يفسر إلحاح الإدارة الأميركية بطلبها للحكومة العراقية بدفع تعويضات حربها على العراق منذ عام 2003 والتي بلغت تكاليفها حوالي 4 ترليون دولار.
رغم كل ما نهبته من هذا البلد من نفط وثروات ولكنها بقيت عاجزة عن تسديد فاتورة الحرب والتي تحمل نفقاتها العديد من دول الخليج العربي النفطية أو دافعو الضرائب الأميركيون.
لقد بلغت تكلفة العملية العسكرية الأميركية في ليبيا حتى منتصف حزيران الحالي نحو 750 مليون دولار رغم أن بريطانيا دفعت نحو 123 مليون دولار حتى الآن ومن المتوقع أن تبلغ هذه النفقات البريطانية لوحدها حتى أيلول القادم مبلغاً لا يقل عن مليار وستمئة وتسعين مليون دولار وأخذ الأطلسيون يتحسسون فداحة غزوهم لليبيا التي ستتحملها في نهاية المطاف الجماهيرية الليبية والتي تقدر بمليارات الدولارات.
إذ إن تكاليف حرب حلفهم على ليبيا ستكون بمثابة ديون مسبقة ومستحقة على الليبيين أنفسهم وقبل حكومتهم القادمة في حال إسقاط القذافي وجل ما يسعى إليه الأطلسي وأميركا استعمار ليبيا وتقاسم ثرواته النفطية وتحويل ليبيا إلى رهينة للدول الغربية في سياستها الداخلية والخارجية وكذلك ثروات شعبها الذي سيحرم منها حتماً تماماً كما حرم من ثروات بلده العراق في ظل الاحتلال الأميركي وغيره من البلدان التي وقعت في مصيدة الاحتلال الأميركي والغربي الاستعماري، صحيح أن الشركات الأميركية حققت مكاسب كبيرة جراء غزوها للعراق وأفغانستان إلا أن الاقتصاد الأميركي يعاني تكاليف باهظة لهاتين الحربين وليس باستطاعته تحمل تكاليف جديدة على حرب ثالثة في ليبيا رغم المكاسب السياسية الآنية والاستراتيجية والأمل بتوظيفها لاحقاً لمكاسب اقتصادية، والخبراء الأميركان الذين يتوقعون زيادة في النفقات العسكرية في ليبيا فيما إذا استمرت الحرب أكثر مما هو متوقع ويبدو أنها ستكون كذلك فإن المبلغ المخصص لليبيا والذي يقترب من 548 مليار دولار فإن الرئيس أوباما سيواجه وضعاً لا يحسد عليه إذا ما اضطر إلى طلب نفقات إضافية من ميزانية مأزومة وبدأت إدارة أوباما تشعر بقلق جدي حيال نفقاتها الهائلة على الحروب خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين والعشرة الأولى من القرن الحادي والعشرين في حربها الاستعمارية في البوسنة أنفقت نحو 3،4 مليارات دولار وفي العراق 2،1 مليار وفي كوسوفو 2،4 مليار دولار ويكلف الجندي الأميركي في أفغانستان لمدة عام واحد ما يكفي لبناء عشرين مدرسة.
لقد أعلن روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي أن بلاده تحملت نحو 750 مليون دولار في ليبيا حتى تاريخ تسليم قيادة العمليات لحلف الأطلسي بقيادة فرنسا وبريطانيا وقدر البنتاغون تكلفة الحرب على ليبيا بنحو 40 مليون دولار شهرياً بعد خفض عدد القوات الأميركية في ليبيا ومن المتوقع أن يزداد العجز في الموازنة الاتحادية إلى 1،4 ترليون دولار في السنة المالية الحالية ما يصب الزيت على نار الديون المتراكمة المرهقة للاقتصاد وللشعب الأميركي والتي بدأت تنعكس سلباً على حياة الأميركيين وتزايد عدد العاطلين عن العمل وعلى الخدمات الصحية.
ويؤكد العسكريون الأميركيون أن أميركا غير قادرة في الوقت الراهن على خوض أي حرب ثالثة إذ ليس بمقدورها تأمين العدد الكافي من القوات والجنود الكفيل بتحقيق هدف الغزو لبلد جديد أو من حيث التمويل الضروري للعمليات العسكرية هذه هي الامبريالية الأميركية الحالمة بالهيمنة على العالم في وقت تعلم فيه كما بقية الشعوب أن بإمكان نفقات تدمير الشعوب وقتل الملايين أن تنقذ العالم أجمع من الجوع والمرض والفقر ولكن جشع الرأسمالية ليس له حدود ولم تفكر يوماً إلا بمصالح شركاتها الامبراطورية على حساب تدمير الشروط الضرورية للحياة على الأرض.