يرى الكاتب والصحفي بيتر دال سكوت أنه لا ينبغي أن نرثي حال ازدهار زراعة المخدرات في افغانستان ووباء الهيروئين في العالم ،
بل علينا أن نستخلص العبر من هذا الواقع ففي حين اجتثت طالبان زراعتها جاء حلف الناتو وعززها وكما أفسدت أموال المخدرات حكومة كرزاي كذلك عملت بالمؤسسات في الولايات المتحدة أما الحل فهو موجود في واشنطن وليس في كابول.
كان ينبغي أن تكون المادة التي نشرها ألفريد ماكوي في مجلة tomdispatch قد حثت الكونغرس الأميركي لاتخاذ إجراءات لتقييم المغامرة العسكرية الأميركية المتهورة في افغانستان ولا يمكن أن نجيب عن سؤاله الذي طرحه كعنوان للمقالة: هل في مقدور أحد تهدئة أكبر دولة مخدرات في العالم سوى بالنفي إلا في حالة إجراء تغيير في الأهداف والاستراتيجيات المرسومة سواء في واشنطن أم في كابول وقد أشار ماكوي بوضوح إلى أن:
الدولة الأفغانية بزعامة كرزاي هي دولة مخدرات فاسدة حيث يضطر الأفغان إلى دفع رشاوى تبلغ 2.5 مليار دولار كل عام أي ربع اقتصاد البلاد.
الاقتصاد الأفغاني هو اقتصاد مخدرات حيث بلغ انتاج البلاد منه عام 2007 8200 طن وهذا يشكل 53٪ من الناتج الوطني الصافي ونسبة 90٪ من الانتاج العالمي وللمقارنة لا تشكل المخدرات في كولومبيا سوى 3٪ من الناتج الوطني الصافي.
الخيارات العسكرية لمواجهة المشكلة لن تجدي نفعا والأجدى هو إعادة بناء الريف الأفغاني والعمل بالتدريج على إحلال زراعات بديلة عن الحشيش وهذا يستغرق من 10 إلى 15 عاما لأن اجتثات زراعتها دون طرح البديل معناه ممارسة ضغوط شديدة على المجتمع الريفي الأفغاني المدمر أصلا ولنتذكر أن سقوط طالبان عام 2001 جاء إثر تراجع حاد في إنتاج المخدرات في أفغانستان من 4600 طن إلى 185 طناً ولكن ماكوي تجاهل أو قلل في مقالته من حقائق وحجج لابد من مقاربتها للحصول على نتائج إيجابية لوضع استراتيجيات ذكية في أفغانستان والحقيقة الأولى هي أن دور المخابرات المركزية الأميركية الفعال ومسؤوليتها عن نشاطات المخدرات محظور تناوله في الدوائر السياسية والحملات الانتخابية ووسائل الإعلام، وأولئك الذين يخرقون هذا الحظر، مثل الصحفي غاري ويب، سوف تتدمر حياتهم المهنية.
وقد قلل ماكوي من تلك الظاهرة، ولو أنه أشار إلى أن الأفيون برز كقوة استراتيجية في الوسط السياسي الأفغاني خلال الحرب السرية للسي آي أيه ضد السوفييت، و أضاف أن الاستخبارات الأميركية كانت الوسيط الذي حول الحدود الباكستانية- الأفغانية إلى أهم منطقة لإنتاج الهيروئين في العالم ولكن ماكوي يعتبر أن الاستخبارات الأميركية قد انجرت بشكل سلبي إلى التحالفات التي تنطوي على المخدرات في الحرب ضد السوفييت في أُفغانستان في حين أن المخابرات المركزية هي التي أنشأت، على وجه التحديد هكذا تحالفات ضد السوفييت،كما انجذبت إلى تحالفات يكتنفها الغموض مع زعماء القبائل في مرتفعات المنطقة.
وتورط المخابرات المركزية الأميركية في أنشطة المخدرات ضد الحروب السوفييتية- الأفغانية هي الأولى، ومسؤولية المخابرات المركزية في الدور الريادي الذي لعبته في أنشطة مخدرات أفغانستان هو نسخة طبق الأصل لما حدث في وقت سابق في بورما ولاوس وتايلاند ما بين أعوام 1940 و 1970، حيث أصبحت تلك الدول أيضاً فاعلين رئيسيين في عمليات المخدرات بفضل دعم المخابرات الأميركية (والفرنسية في لاوس) ودون ذلك كانوا سيبقون مجرد قوى محلية.
وذلك لتمويل الحرب المناهضة للشيوعية المتمثلة في الصين بأموال المخدرات،كما الحال في أفغانستان الآن، حيث تحول المثلث الذهبي إلى مورد رئيسي للأفيون في العالم.
وخلال تلك الفترة نفسها، جندت المخابرات الأميركية عملاء لها على طول الطريق المخصصة لتهريب المخدرات الآسيوية في بلدان مثل تركيا ولبنان وفرنسا وكوبا وهندوراس والمكسيك، منهم الحكوميين ومنهم شخصيات ذات مناصب في أقسام الشرطة والمخابرات ممن تدعمها المخابرات الأميركية وكذلك حركات التمرد.
ويعزى الفساد المرتبط بالمخدرات داخل الحكومة الأفغانية في جزء منه إلى قرار واشنطن والمخابرات الأميركية في شن حرب أفغانستان بدعم من قوات تحالف الشمال، الحركة التي تعلم واشنطن أن المخدرات عمادها ولأن التاريخ يعيد نفسه، تحاكي تلك الأوضاع في أفغانستان، الأوضاع نفسها التي خلقتها الولايات المتحدة في فيتنام (كما شقيق الرئيس الأفغاني متهم بأنشطة المخدرات كان شقيق الرئيس نغودينه ديم يستخدم المخدرات من أجل التلاعب بالانتخابات لصالح شقيقه) وليس الاعتقاد أن حركة طالبان تسيطر على تجارة المخدرات في أفغانستان صحيحة لأن الإحصائيات تقول إن حصتهم من تجارة الأفيون في العالم تبلغ بين 90 و400 مليون دولار بينما يقدر مكتب الأمم المتحدة ضد المخدرات والجريمة أن عائدات تجارة الأفيون والهيروئين تدر ما بين 2.8 و 3.4 مليارات دولار، وقد أشار تقرير للبنك الدولي عام 2006 أن هناك 25 إلى 30 تاجر مخدرات رئيسي، تتمركز الغالبية في جنوب أفغانستان تعمل بشكل وثيق مع جهات تحتل مناصب سياسية وحكومية على أعلى المستويات. وبالتالي وسائل الإعلام الأميركية لهذا الواقع وتفضل الحكومة الأميركية وضع سياسة الحظر الانتقائي للاتجار بالمخدرات، أي التصدي فقط للمتاجرين الذين يساعدون المتمردين، وهذا يفسر لنا رفض إدارة أوباما لمبادرة المجلس الدولي للأمن والتنمية (الأفيون للطب) والذي يرمي إلى اعتماد برنامج يسمح للمزارعين ببيع الأفيون الضروري لإنتاج بعض الأدوية المطلوبة مثل المورفين والكودئين، في حين دعمته البرلمانات الأوروبية والكندية، تحت ذريعة أنه يمكن أن يؤدي إلى زيادة إنتاج الأفيون، وليس ثمة دليل يشير إلى أن الأموال التي يكسبها تجار المخدرات حلفاء السي آي إيه تضخ في الحسابات المصرفية للوكالة أو لضباطها، ولكنها بالتأكيد قد استفادت من المخدرات بشكل غير مباشر وطورت على مر السنين علاقة وثيقة معهم، ومولت حروب أميركية في لاوس وفي أفغانستان عام 1980 كما وتؤمن حماية لتجار المخدرات ضد الملاحقة القضائية في البلاد، وثمة مؤسسات أميركية أخرى لها مصلحة مباشرة في أنشطة المخدرات، ومنها المصارف التي تمنح قروضاً لدول مثل كولومبيا والمكسيك، لعلمهم أن تدفق المخدرات سيضمن لها استرجاع تلك الديون وهناك مصارف أميركية مثل سيتي غروب وبنك نيويورك وبنك بوسطن تشارك في عمليات غسيل الأموال دون أن تتعرض لعقوبات كبيرة بما يكفي لتغيير سلوكهم باختصار إن تورط الولايات المتحدة يشرك معها وكالة المخابرات المركزية والمصالح المالية الكبرى ومصالح المجرمين في هذا البلد وخارجه ويعترف رئيس مكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة المنظمة «لقد أتاحت أموال المخدرات للنظام المالي الحفاظ على مستواه العالي خلال الأزمة المالية»، والمثال المدهش على أهمية المخدرات في واشنطن هو النفوذ الواسع الذي يمارسه بنك الاعتماد والتجارة في واشنطن والذي يمارس عملية غسيل أموال المخدرات ومن بين الشخصيات الرفيعة التي تستفيد مما يجود به البنك جيمس بيكر وزير الخزانة في عهد ريغان ونائب الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن والسيناتور الجمهوري أورين هاتش وأعضاء بارزين من اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ التي أمتنعت عن التحقيق في بنك الاعتماد والتجارة في عام 1٩8٠ تكلم غريغ موستو الخبير في المخدرات لدى البيت الأبيض إلى مجلس استراتيجية المخدرات «نحن ذاهبون إلى أفغانستان لكي ندعم مزارعي الأفيون في تمردهم ضد السوفييت، ألا يمكننا تجنب ما فعلناه سابقاً في لاوس؟».