من اللافت للاهتمام، أن جهات عديدة، أخذت تحذر من خطط انسحاب قوات الاحتلال الأطلسية من أفغانستان بحلول عام 2014 فقبل تحذير «مجموعة الأزمات الدولية» التي أشارت إلى أن ترك أفغانستان لتصرف الحكومة الأفغانية،
يعني بدء انهيار الحكومة القائمة وتصاعد المخاطر الأمنية ليس فقط على أفغانستان بل وعلى المنطقة بأكملها، إضافة - كما تقول المجموعة - «إن الانسحاب سيؤدي إلى حرب أهلية طاحنة».
وسبق هذه التحذيرات تصريحات قائد القوات البريطانية في أفغانستان الذي يؤكد «أن قوات التحالف لن تحقق الفوز على طالبان»، وكذلك فعل الأميركيون، الذين بدورهم أكدوا على «إن قواتهم لن تكسب الحرب الأفغانية» ما يطرح أسئلة لابد منها، لتبيان التوجهات الفعلية للإدارة الأميركية التي تدرك بأنها تستمر في الغوص في المستنقع الأفغاني دون جدوى، وهذا الكلام يقود إلى التفكير جدياً، بمدى تحقيق جزء بسيط من الأهداف التي سعت إليها أميركا من خلال خوضها مغامرة الحرب في هذا البلد الذي لم تستطع أي قوة أجنبية من فرض سيطرتها عليه والتحكم بإدارته بما يخدم الأهداف التي جاءت من أجلها إلى أفغانستان، فأميركا تتلطى وراء شعارات زائفة، اكتشف الشعب الأفغاني كذبها ونفاقها، فلم يعد شعار الديمقراطية الملوث بدماء الأبرياء من الشعب الأفغاني، قادراً على إقناع أحد بأنه جدي، وسرعان ما اكتشفت الخبايا الأميركية في أفغانستان والعراق، بأن وراء الغزو تفوح رائحة النفط الأفغاني الكامن باحتياطات كبيرة. والموقع الاستراتيجي لهذا البلد القريب من بحر قزوين والمتموضع في قلب القارة الآسيوية، ما يحوله إلى ممر استراتيجي لأنابيب النفط الأذربيجاني ومن آسيا الوسطى نحو الآفاق الأوروبية.
ومراقبة العملاق الصيني والهندي وايران وروسيا، كل هذه العوامل جعلت من أفغانستان فريسة مغرية للامبريالية الأميركية الساعية للتحكم بأهم المواقع العالمية، التي تسمح لها بالسيطرة على العالم كهدف استراتيجي لأميركا، تقدم من أجله الغالي والرخيص لبلوغه، وهذا الهدف بالذات، هو الذي يملي عليها نوعية السياسة التي تنتهجها ويقربها من هدفها الرئيس، فأميركا تعرف جيداً أن نظاماً هشاً وضعيفاً كنظام كرزاي غير قادر على حماية مصالحها في أفغانستان، واستمرار الحرب يفقدها شيئاً فشيئاً القدرة على التحكم، كما أن انتشار تجارة المخدرات التي يتورط فيها جنرالاتها وأقطاب اساسية في الحكومة الأفغانية، إضافة إلى غياب القانون والمحاسبة، جعل وضعها لا يحسد عليه، ودفع الشعب الأفغاني التواق للحرية والديمقراطية، للالتفاف حول طالبان وتأمين حماية شعبية لها، رغم كل ظلاميتها وتطرفها وحتى عدم رغبته بعودتها للحكم الذي لا يمكن أن يتناسب مع روح العصر، إلا أن الحركة تقاتل المحتل الأجنبي الأميركي وحلفاءه، الذي لا يمكن أن يتقبله الشعب الأفغاني، ولم تنفع جميع المحاولات التي سعت قوات الاحتلال للوصول إلى صيغة ما لترويض حركة طالبان والاتصال مع مجموعات منها وتقديم المغريات لها، لتكف عن مقاومتها.
ولكن هذا التهافت الأميركي لعقد اتفاقات مع حركة طالبان والمقاومة الأفغانية عموماً، لم يجد نفعاً ولم يحقق أي تقدم بهذا الاتجاه، بل على العكس، لقد نظر الشعب الأفغاني وحركة طالبان إلى السلوكين الأميركي والحكومي الأفغاني، بأنه دليل ضعف وعجز ولا يمكن أن يساهم في طمأنة القلق الأمني الداخلي والإقليمي والدولي، وذلك بسبب انهيار الدولة الأفغانية، ورفض الشعب لهذه الحكومة التي تعتبر دمية حقيقية بأيدي المحتلين، ويزداد الضغط على أميركا وحلفائها مع ازدياد عدد القتلى بصفوف المحتلين والمدنيين في آن واحد، فالدول الغربية وأميركا التي لم تعد شعوبها تحتمل نعوش القتلى من أبنائها، تضغط على الإدارة الأميركية من أجل الانسحاب من أفغانستان والعراق، والشعب الأفغاني يضغط لخروج قوات المستعمرين من بلاده، ولاسيما أن ثقة شعوب أوروبا وأميركا قد ضعفت جداً حيال قوات بلدانهم الغازية، وأن هذه القوات لم تجلب لأفغانستان كما للعراق سوى القتل والدمار وهياكل حكومية فاسدة وجشعة وعاجزة، والشرطة الأفغانية وقوات الأمن «لا تقاوم طالبان سوى بشكل متواضع» حسب تقرير «مجموعة الأزمات الدولية».
لذلك فقد توصل التقرير إلى استنتاج متوقع ومفهوم هو أن الانسحاب التدريجي للقوات الغربية المرتقب لا يشكل الحل اللازم للمشكلة الأفغانية «فالحل واحد وهو الانسحاب الكامل لقوات الغزو وترك أفغانستان لأبنائها فهم قادرون على تقرير مصيرهم بأنفسهم».