بالتأكيد ليست صدمةً أن تعلن إسرائيل على لسان وزير خارجيتها (افيغدور ليبرمان) أنه من غير الواقعي التوصل إلى أي اتفاق سياسي مع الفلسطينيين قبل عقد من الزمن على الأقل،
مدعياً أن المجتمع الدولي يبالغ في الحديث عن التدخل في (النزاع الإسرائيلي الفلسطيني)، وليس هذا غريباً بل على العكس من ذلك فقد تعوَّدنا من إسرائيل أن تعتديَ وتمارس الإرهاب بأنواعه ثم تُقيم حفلةً من البكاء في مجلس الأمن! إن التصريحات الإسرائيلية والممارسات الإسرائيلية ليست تصريحات وممارسات عفوية بل هي تقوم على أبجديات من العدوان، وهذه حقيقة سوف نرصدها لو تتبعنا جملة من المجرياتٍ نجد الأمر أشبهَ بالسلوك البنائيِّ الذي يصبُّ نهاية المطاف في ظهور إسرائيل أمام العالم بصورة المغلوب على أمره أو المضطر للدفاع عن نفسه! فربما أعلنت إسرائيل أن أي اتفاق للسلام مع الفلسطينيين لن يتم قبل عقد من الزمن كيْ ترى ماذا عند العرب من بدائل وخيارات تجاه السلام معها، أما في أميركا فالإعلام لا يصل إلى الناس مفتوحاً في الفضاء كما يصلنا نحن العرب، فما نظنُّه في أميركا صورةً من صور الانفتاح أو الحرية ما هو إلا حالة من الخديعة التي لا تنطوي على عاقل، فالاشتراك في القنوات الفضائية ووصولها إلى البيت أمام عينيك في أميركا ليست مفتوحةً على الفضاء بل يلزم الإنسان هناك أن يشترك بالقنوات التي يرغب بها وتصله تلك القنوات على شكل تمديدات أو موصِّلاتٍ (كيبلات) أرضية فيضطلع ويتابع الأخبار والبرامج حسب تلك القنوات التي اشترك فيها وليس الأمر مفتوحاً كما هو عندنا؛ إذاً هو تقنينٌ إعلاميٌّ يحتكرُ الصورة التي تصل عن إسرائيل إلى الأميركيين وغيرهم هناك لتبقى إسرائيل ذاك الكيان المظلوم المضَّطهد على يد العرب، وفي الوقت ذاته لن تُقدِّم تلك القنوات المحدَّدة أيَّ صورة حقيقية عن العرب بل سيُقدَّمُ العربُ وكأنَّهم إرهابيون محتلّون للأرض! فما دامت إسرائيل تضمن انحياز الإعلام الأميركيِّ إليها، وتثقُ بمساندة مطلقة من السياسة الأميركية ولا تملك أيَّ وازع إنسانيِّ في ممارساتها، ولا رادعاً دولياً لها فلا غرابةَ أن تسرح وتمرح وتتفقُ اليوم اتفاقاً مع الفلسطينيين أو غير الفلسطينيين وتنقُضُهُ غداً، إن الدور الذي تولاّهُ الإعلام الأميركي داخل أميركا وخارجها دورٌ تتحرك إسرائيل تحت قُبَّعَته، ويروِّج لها قبيل أيِّ عدوان تنوى اقترافه، ثم يبرر لها عدوانَها بعد ذلك! آن للعالم أنْ يستيقظ تجاه إسرائيل ويسرع إلى لَجْمها ويحدِّ من تجاوزاتها، وأمام العرب دور كبير لتطوير وسائل تناسب وُصول إعلامهم إلى العالم، وليكن نُصب أعيننا أن إسرائيل بعدوانها المتكرر تسير وِفقَ أبجديات مرتبطة بإعلام أميركي مازال رسولاً مخلصاً لإسرائيل.