«إسرائيل مهددة بسلب الشرعية عنها وهو أمر لا يقل خطورة عن خطر حماس وحزب الله» هذا تصريح ادلى به ايهود باراك الاسبوع الماضي.
وقبل ثلاثة اسابيع دعا بنيامين نتنياهو الى « وقف محاولات أعدائنا لسلب اسرائيل شرعيتها» وذلك ردا على صرخات احتجاج أطلقها نشطاء سلام في المؤتمر اليهودي في نيو أورليانز بالولايات المتحدة. أما نائب وزير الخارجية داني ايلون فيقول : «إذا استمر سلب الشرعية فسيكون ذلك عقبة أمام السلام» مضيفا :«نواجه أعداء يعملون بكل السبل من أجل تلطيخ صورة اسرائيل». كلمات تشبه الصواريخ وكأننا في حالة طوارىء، ويتم اطلاق النار.
إذا حاولنا قراءة الدليل الذي تقدمه وزارة الاعلام والشتات للاسرائيليين عند خروجهم من البلاد،فإن ذلك يعزز الشكوك بأن تضخم تعبير «سلب الشرعية» (كان يطلقون عليه «معاداة السامية») ليس مصطلحاً عبثياً. وعلى سبيل المثال من الاسئلة التي توجه للمسافر : كم مرة عرضت عليك معلومات غير واقعية عن اسرائيل ؟ وذلك قبل أن يطلب اليه المشاركة في تغيير صورة اسرائيل. ويدعوه الدليل الى الدعاية لإسرائيل عبر مجموعة من العناوين مثل تواريخ الحروب، ومنها حرب سلامة الجليل (حرب لبنان 1982) والانتصارات مثل فوز فريق مكابي تل ابيب بكأس اوروبا، وومساهمة اسرائيل في اختراع قرص «أون – كي».
ولا يوجد في هذا الدليل كلمة واحدة عن مؤتمر مدريد، الذي مهد الطريق للتفاوض المباشر في عملية السلام واقامة علاقات دبلوماسية مع دول كثيرة مهمة كالصين. ولا اشارة الى أن اتفاق اوسلو قد فتح لإسرائيل أبوابا في الدول العربية. ولا ذكر أيضا للسلام مع الاردن الذي هو زيادة على اتفاق أوسلو. ولا شيء عن مبادرة السلام العربية التي ما زالت تنتظر ردا اسرائيليا. ولا تُبين وزارة الإعلام أن الاتحاد الاوروبي قرر تطوير العلاقات، في أعقاب الازمة حول الهجوم على سفينة مرمرة التركية.
في اسرائيل تسخن الاجواء مع هذا الحديث المفتعل عن سلب الشرعية. لا أحد يفكر في ملء اناء الزيت الذي يوشك أن ينفد. فأسهل من ذلك كثيرا رفع الاصبع الوسطى في وجه العالم الذي يبادلك العداء . اذا رددنا ما يكفي من المرات «سلب الشرعية»، فإن الجمهور سيؤمن بأنه لا علاقة بين ما تقول الأمم وما يفعل اليهود.
إذا حكم العالم كله علينا أن نكون غير شرعيين، يمكن أن نرمي الناس من بيوتهم في حي الشيخ جراح، وأن نسيطر على سلوان ونبني في المستوطنات والبؤر الاستيطانية. واذا كانوا في اوروبا يصادرون الخضراوات المزروعة في اسرائيل بسبب كراهيتهم لها، فانه يمكن اليوم أن نُصدر في الكنيست قانون لجان القبول وأن نزعزع أركان الديمقراطية وهي الحق في المساواة والحرية والملكية.ونقول للمواطنين العرب: اذا واصلتم محاولاتكم لسلب الشرعية عنا فسوف نطبق قانون الجنسية.
عندما يمد وزير الدفاع خطا مستقيما بين سلب الشرعية وبين حماس وحزب الله، فان هناك اشخاصاً سيفهمون من كلامه ان الاسرائيلي الذي يكشف عن اقامة بؤرة استيطانية، أو ينتقد الاستعمال المفرط للقوة في عملية «الرصاص المصبوب»، يتعاون مع أعدائنا. ومن هنا تقصر الطريق نحو سن قانون شيطاني لتقييد حرية التعبير في الجامعات ومنظمات حقوق الانسان ، فهذه ساعة طوارىء في اسرائيل وكل شيء فيها مباح.
أبلغني دبلوماسي اسرائيلي رفيع المستوى في اوروبا بأن أصحاب أعمدة صحفية وأدباء يساريين يزودون في هذه الأيام من يكرهون اسرائيل بالسلاح ويحبطون جهود الدعاية التي تقوم بها السفارة. ومن هنا تقصر الطريق الى الدعوة المقلقة لمقدم البرامج في التلفزيون والإذاعة يعقوب احيمئير لرفاقه الصحفيين أن يحموا اسرائيل من اولئك الذين يحاولون زعزعة شرعيتها. بل لقد اقترح احيمئير الفائز بجائزة «مفعال حاييم» لرابطة الصحفيين في تل ابيب جعل مكافحة (سلب الشرعية) إحدى مهام ما سماه (الصحافة الوطنية).
نعم، لا يجب أن نستخف بقضية سلب الشرعية التي تطفو على السطح هذه الايام في اسرائيل. وبدل أن نركب هذه الموجة، ونندب حظنا ونتهم المبعوثين الدوليين، يجدر ان نغير الربان الذي يقود السفينة. وكما قالوا قديماً : أفعالك تقربك من الناس أو تبعدك عنهم .