لاتزال الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس موضع تساؤل عمن يقف وراءها والجهة التي تمولها وما الهدف من نشرها في هذا الوقت بالذات المترافق لأوضاع إقليمية صاخبة في منطقتنا
وعما إذا كان لهذا الموقع أو صاحبه تلك القوة السحرية ليحصل على هذه الوثائق التي يفترض أن تكون في أكبر وكالة مخابرات في العالم وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى آخره من الأسئلة والاستفهامات التي ستظل مترددة على أفواه ملايين الناس ولم تتلق بعد الإجابة الواضحة والدقيقة. لكن أخطر هذه الأسئلة التي طرحتها أوساط الشأن ليس فقط في العالم العربي بل في معظم الأوساط العالمية عن سر غياب أي وثيقة من تلك الوثائق ما يتعلق بالكيان الصهيوني ولاسيما أن الأحداث التي غطتها تلك الوثائق هي في مجملها ما يدور في فلك الصراع العربي الصهيوني أو المتعلق بها وهذا هو الوجه الأهم في هذه المسألة التي تقودنا إلى الحكم وبشكل غير مطلق لأن تكون إسرائيل هي من تقف وراء هذه الفضائح أو هي من مارست ضغوطاً على صاحب الموقع أدت بواقع الحال إلى حجبه من الوثائق ما يخصها وما يزيد من تعرية صورتها العدوانية أمام الآخرين ولاسيما حيال من يحاول حجب الأنظار عنها.
في واقع الحال عدم تناول تلك الوثائق لإسرائيل هو موضع اتهام حقيقي لأن تكون هي في دائرة الاستفهام الأكبر لضلوعها بهذه المهمة التي سبقت الجميع بها إما لكونها كانت تعلم بهذه الوثائق وبإقدام الموقع المذكور على نشرها وبالتالي سارعت للضغط باتجاه حجب ما يتعرض لها من هذه الوثائق أو فعلاً لكونها هي من خططت لهذه العملية برمتها لخلط الأمور من جديد.
ولإعادة العالم إلى الوراء في حقبة جديدة من التخبط لتوجيه أنظار العالم إلى ما تريده إسرائيل من العودة به إلى المربع الأول من القضايا التي يحاول الغرب وإسرائيل لتصويرها على أنها القضايا الأخطر للبشرية كالملف الإيراني النووي والإرهاب الإسلامي وعودة تنظيم القاعدة إلى الساحة من جديد وطبعاً كل ذلك ليغطي وليحجب صورة الحقائق التي لم تغفل عن أحد في الصورة الوحشية العدوانية التي تحملها حضارة الغرب الأميركي والإسرائيلي وأوجه خداعه وغطرسته للآخرين.
الارتياح الإسرائيلي من هذه الوثائق وما أحدثته وحده يعزز افتراضية ضلوع إسرائيل في هذه الزوبعة الجديدة، إذ إن الصحافة الإسرائيلية منذ نشر الوثائق في دفعتها الأولى قبل نحو شهر دعت الحكومة الإسرائيلية إلى التدخل السريع لمنع نشر ما يضر بمصالح إسرائيل وحثت هذه الصحف اللوبيات الصهيونية للتدخل بسرعة لممارسة ضغوطاتها على سائر الدوائر الاعلامية والسياسية والاقتصادية في الغرب وذهب نتنياهو للقول إن مادة سرية حقيقية لم تكشف في الوثائق المذكورة وإن ما تم نشره إلى الآن كان مفيداً جداً حسب قوله لحقيقتين الأولى على حد قوله إن إيران هي الخطر الفوري على المنطقة والثانية إن الفلسطينيين هم السبب في أنه لا يوجد تقدم على المفاوضات معهم وبالتالي في المسيرة السياسية في حين ذهب رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز للتأكيد أنه لا يوجد في الوثائق ما يؤثر في العلاقة بين الحليف والأكثر مركزية لإسرائيل يعني الولايات المتحدة على حين ذهب وزير المالية الاسرائيلي يوفال شتانتيش للقول: إن إسرائيل خرجت جيدة ما يكفي من تلك التسريبات في الوثائق.
لكن محللين اسرائيليين ذهبوا للقول: إن هذه الوثائق أثبتت نظرية إيران أولاً لدى العالم العربي كما أن هذه الوثائق أثبتت على حد قول المحللين الإسرائيليين من أن معظم القادة العرب غير معنيين بالقضية الفلسطينية بدليل أن أحداً منهم لم يربط بين التسوية الفلسطينية والموقف حيال إيران.
كذلك الارتياح الإسرائيلي جاء على خلفية أن الوثائق تعاملت مع الملف النووي الايراني على أنه الأخطر في المنطقة وهذا ما يتلاءم ويتناسب مع توافق خبراء أميركيين واسرائيليين لأن يكونوا أكثر تصميماً من أي وقت مضى للتفكير جدياً بشن هجوم على إيران وهو ما يعني عزم واشنطن وبإلحاح اسرائيل على تصعيد العقوبات ضد طهران حتى لا تبادر اسرائيل لشن هجوم عسكري منفرد على طهران وهو هجوم يعلم الجميع أن مصالح واشنطن ستكون في صلب تداعياته الخطرة وأن الأذى والضرر سيلحقان فقط بالمصالح الأميركية وليس الاسرائيلية وهو ما تطمح إليه إسرائيل ضد أميركا كعقوبة لها لعدم الأخذ برأي تل أبيب أي الإسراع بشن عمل عسكري أميركي اسرائيلي مشترك ضد إيران.
كذلك ما نستطيع أن نؤكد علاقة إسرائيل بالموضوع كله هو ضغط العديد من الوثائق على تركيا التي أماطت اللثام عن الأهداف العدوانية والصهيونية لإسرائيل ووقفت حيالها موقف الرجل الشجاع والأمين على مبادئه وأخلاقه.
هذا بالطبع موقف لم تسر له إسرائيل وهي إلى اليوم تعمل على مختلف الصعد لجعل تركيا أردوغان تدفع ثمن مواقفها تلك. إضافة إلى أن تلك الوثائق خدمت كثيراً مسلسل الإجرام والقتل الذي تمارسه إسرائيل منذ ولادتها القيصرية عام 1948 وذلك عن طريق تناسي هذه المآسي من قبل صاحب موقع ويكيليكس سواء عمداً أم تحت تأثير الضغوط الصهيونية عليه.
وفوق كل هذا أو ذاك لابد أن نشير إلى أن الوثائق المذكورة تكشف بصورة متعمدة حقيقة وحجم الغطرسة الأميركية في التعامل مع العالم وحجم الروح الامبريالية مع شريكها الصهيونية التي تتحكم بمقدرات وجوانب الصراع العربي الصهيوني، كما أن تلك الوثائق تكشف من جوانب عديدة ومهمة من أن زمن التفرد الاستعماري الأميركي أخذ بالتراجع ولن يمضي وقت طويل حتى يكون هذا الزمن ليس بصالحها مع بروز قوى دولية عديدة ستكون لها المقارعة والندية الكافية لإنهاء التفرد الأميركي في قرارات العالم كما هو عليه اليوم.
وفي هذا الشأن تؤكد الاستنتاجات أن الوثائق تمثل الضربة العسكرية الثالثة لأميركا الامبراطورة بعد ضربتي أحداث الحادي عشر من أيلول التي أمضت إلى حروب استنزاف الجيش الأميركي والثانية ما تعرضت له أميركا في أزمتها المالية والاقتصادية عام 2008 والتي مهدت الظروف والطرق للصين للسيطرة على سندات دين أميركا وبالتالي قدرة بكين على استخدامها ضد أميركا كيفما تشأ ومتى تري