كان شعار إحدى حملات مكافحة حوادث الطرق التي ابتدعها اسحق نافون، الرئيس الخامس لاسرائيل «لا تكن عادلا في الشارع، بل كن حكيما».
ومنذ ذلك الحين، لم تنخفض حوادث الطرق، بل على العكس. لكن مبدع هذه النصيحة وهو اهارون شمي قام بعمل جيد، فان «لا تكن عادلا، كن حكيما» جرى استيعابها وترسيخها في عالم المصطلحات الإسرائيلي.
وخلال الفترة الاخيرة عندما فكرت في السياسة الاسرائيلية بمفهومي العدل والحكمة في عدد من المجالات، لم تكن النتائج طيبة. فالعدل يبدو غائبا وكذلك الحكمة وحلت محلهما الحماقة التي تزدهر في إسرائيل اليوم بشكل غير مسبوق. والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو من أين نبدأ.
في اطار الاستعدادات من أجل التصدي لقافلة بحرية اخرى تتجه الى غزة، أبلغ أورين هيلمان، مدير مكتب الصحافة الحكومية، مندوبي وسائل الاعلام الاجنبية أن مشاركتهم في القافلة البحرية تشكل إخلالا بالقانون الاسرائيلي، وأن هذه المشاركة سوف تتسبب في طردهم من إسرائيل، ومنعهم من دخولها عشر سنوات ومصادرة معداتهم، وسلسلة اخرى من العقوبات. وفي مقابلات صحفية أكد هيلمان أن القرار تم اتخاذه بموافقة الجهات المعنية القضائية والامنية والاعلامية.
ولعل هذا ما يدعو للقلق لانه اذا كانت كل هذه الجهات مشاركة في مثل هذا القرار، فكيف جرى التوافق على هذا الرأي الأحمق . فالقرار أحمق سواء أُلغي أم لا. لانه لا يمكن متابعة الاخبار وبثها من سفينة دون وجود صحفيين. واذا حلق مندوبو شبكة تلفاز دولية في الجو واستعملوا عدسات التصوير بواسطة مروحية فهل سيسقطها الجيش الاسرائيلي؟.
وكانت النقطة الرئيسة في الاستنتاجات التي استخلصت من السيطرة على سفينة «مرمرة» التركية العام الماضي أنه تم منح متحدث الجيش الاسرائيلي أن يستعرض عملية وقف القافلة البحرية وحده. وينبغي أن نأمل ألا تكون القافلة البحرية وحدها قد استخلصت الاستنتاجات من عملية السيطرة التي تعقدت وأن يكون متحدث الجيش الاسرائيلي قام بذلك أيضا. وليس هذا أملا في غير محله. فقد تطلب الامر نحو عام كامل من أجل التعرف وتحليل صور حاسمة من عملية السيطرة على «مرمرة». كما تمت بشكل سيئ عملية نقل مواد من السفينة كي يجري بثها في الوقت المناسب، اضافة الى ارهاق المراسلين الاجانب في ميناء أسدود والاذلال الذي وقع عليهم والذي لحق باسرائيل نفسها في وقت لاحق. لم تسجل أعمال فشل كالتي وقعت آنذاك منذ سنوات طويلة . ومع ذلك ربما تحطم لعبة هيلمان مع وسائل الاعلام الاجنبية الارقام القياسية لعملية «مرمرة». ويبدو الامر في هذه اليوم فشلا كبيرا بسبب الحكمة الغائبة والحماقة المستيقظة، حيث يتم تصوير الاعلام الاجنبي على انه متآمر ومجرم.
وبعد القافلة البحرية في تموز ستأتي أحداث ايلول الخاصة باعلان الدولة الفلسطينية. كتبت قبل اسبوعين انه خلال نقاش في الآونة الاخيرة في اطار مستويات أمنية رفيعة جدا،قيل للمشاركين فيه أنه لن يتم منح الفلسطينيين أي «تسهيلات» . أي أنه اضافة الى فرض الحصار البحري على غزة بالقوة،ستفرض «التسوية الجيدة» في المناطق الفلسطينية. والخطوط الحمراء ، التي سيحددها الجيش الاسرائيلي، لن يتم تجاوزها. اذا لم يتم تفعيل الوسائل السلمية،فان النار الحية ستقوم بالعمل. قد تتعقد الأحداث والسؤال هل يمكن فعل شيء ما لمنعها ليس ساذجا بل حاسما. ولا نقصد هنا الاجراءات السياسية والعودة الى التفاوض، لان هذين الامرين لا يظهران في برنامج عمل الحكومة الاسرائيلية.
واللافت أنه في هذه الاثناء، تطرح من جديد في القدس مسألة بناء جسر بين باب المغاربة وجبل الهيكل (المسجد الاقصى). ومن وجهة نظر إسرائيل، كل أمر يتعلق بالاماكن المقدسة في القدس يكون أمرا اسرائيليا داخليا. لكن الحقيقة هي أن كل من لم يسِر على أطراف أصابعه في البلدة القديمة وفي جبل الهيكل (تذكروا 1996 و2000) أشعل النار ولم يطأ الجمر فقط. الحقائق معروفة وذكراها سيئة. وآخرها لا تشهد فقط على الوضع السياسي المزعزع لاسرائيل بل على الحماقات التي تجري بالجملة في اسرائيل.
إن رئيس بلدية القدس، نير بركات وحاخام حائط المبكى، شمعون رابينوفيتش، متحمسان جدا بشأن الاثر الذي سيتركانه في تاريخ المدينة وبنائها. وكان الانطباع الذي خلفته الاتصالات مع الاردن أن عمان لن تهتم بالأمر. لكن ماذا يعني ولماذا الآن بالذات؟ ولماذا في القدس بشكل خاص؟ هل هذا ما تحتاجه اسرائيل اليوم: نقاش في منظمة اليونسكو لشكوى تقدم بها الاردن ومصر والعراق والبحرين؟ إن الحمقى النشطاء هم أخطر ما يواجه اسرائيل اليوم.