يبدو أن الصهاينة، رغم كل جبروت القوة العدوانية التي يمارسونها ضد الفلسطينيين، أو يهيئون لممارستها ضد العرب الآخرين، إلا أنهم يعانون في دواخلهم من مخاوف شتى. وهذه المخاوف ينصب بعضها على ما هو معلوم، بينما ينصب بعضها الآخر على المجهول.
من المخاوف التي تنصب على ما هو معلوم:
1- الخوف من افتقاد الكيان الصهيوني لشرعيته، وبشكل خاص عند صانعيه. ومصدر هذا الخوف أن الشرعية المصطنعة منذ الأساس من السهل سحبها حين يستلزم الأمر ذلك. والواقع أن الشرعية الغربية المعطاة للكيان الصهيوني نوعان: شرعية مبنية في الأساس على إتاحة الفرصة لليهود لإقامة ما أسموه ب «الوطن القومي» على حساب عرب فلسطين أصحاب الأرض الشرعيين، على أن يكون كيانهم ديموقراطيا، متساوقاً مع قيم ما يسمونها بالحضارة الغربية، قادراً على أن يعيش مع المحيط الذي أوجد فيه بسلام... إلخ ما ينطوي عليه الوجه الأول من أسطوانة «الشرعية»، أما الوجه الثاني، وهو العملي، فيتمثل في أن تكون اسرائيل كياناً عدوانياً يشكل قاعدة ارتكاز أمامية للامبريالية في مواجهة العالمين العربي والإسلامي.
وسقوط الشرعية وارد، إذا فشل الكيان الصهيوني في التوافق مع وجهي «الشرعية» المصطنعة.
2- الخوف من حرب صاروخية تشعل في اسرائيل حرائق يعجز الصهاينة عن إطفائها مثلما عجزوا عن إطفاء حريق جبل الكرمل.
3- الخوف من نتائج المعادلة الديموغرافية الناجمة عن معدل التزايد السكاني الكبير عند العرب في مواجهة معدل تزايد يهودي يراوح في مكانه ما لم يتناقص، وهو ما يعرقل خطط الصهاينة فيما يتعلق بيهودية إسرائيل، ويعرقل بشكل خاص فكرة ضم الضفة الغربية، بعد أن تخلوا عن فكرة ضم قطاع غزة.
أما المخاوف المنصبة على المجهول، فإن محورها يدور حول توقع زلزال شديد أو أكثر يكون من نتائجه انهيار المفاعل النووي العجوز في ديمونة، وانتشار الإشعاعات النووية، أو نشوب حرائق بجوار أماكن تخزين الرؤوس النووية تعجز إسرائيل عن إطفائها قبل أن تصل الى تلك الرؤوس، فيكون ذلك سبباً في انتحار الكيان الصهيوني بأسلحة من صنع يديه، وهو خطر يتربص بهم أيضا في حالة اشتعال حرائق في بعض المجمعات الصناعية الكيميائية ،ما تترتب عليه انفجارات تطول التجمعات السكانية.
ولعل ما يضاعف إحساس الصهاينة بالخوف من الخطر المجهول، أن بعض النبوءات في توراتهم- إذا أرادوا تفسيرها وهو أمر يثير شهيتهم- تنبىء بأن أخطاراً مجهولة مرعبة قادمة على الطريق بحكم نبوءات أنبيائهم، وهي أخطار تشمل بشكل خاص تجمعهم السكاني الكبير في القدس ومحيطها بالذات، حيث هناك نبوءات نارية(بركانية) وأخرى مائية(لها خلفيتها البركانية أيضا) تشي بأن ضربة كبيرة تمارسها الطبيعة آتية على الطريق. ولا ضرورة هنا لعرض مثل هذه النبوءات التي قد تكون بالنسبة لنا بمثابة تخرصات لا أهمية لها، ولا تعويل عليها، وأما بالنسبة لأولئك اليهود الذين جعلوا من تعلم التوراة وغيره من الكتب اليهودية حرفة لهم، فإن الأمر مختلف تماما، إذ إن هذا التعليم يحدد أساليب تفكيرهم، ويجعلهم يخضعون لمقولاته ليس فقط في تشكيل مفهومهم عن الماضي، ولكن أيضا عن تصورهم للمستقبل.
إن اجتماع مظاهر الخوف من المعلوم أو من المجهول أو من كليهما، لا يعني بالضرورة أن الكيان الصهيوني سينهار تحت وطأة خوفه. لكن هذا الخوف يشكل جزءاً من دوافع هرب بعض اليهود من هذا الكيان الى أماكن أخرى لإحساسهم بأن شيئاً ما ، بل أشياء عديدة، تتربص بهم وبكيانهم، وتهدد مصير هذا الكيان.