مرة أخرى في إطار الحرب الأميركية المزعومة على الإرهاب، وتمهيداً لغزوه كما فعلت عام 1993، أعلنت الولايات المتحدة أن الصومال أصبح معقلاً رئيسياً للنشاطات الإرهابية، الأمر الذي يهدد أمن المنطقة.
الإعلان الأميركي وإن كان ليس جديداً، إنما يشير بوضوح إلى نية واشنطن وضع المنطقة في جو من اليأس، حتى يصبح قبولها بالوصفة التي تقترحها أميركا أمراً واقعاً مهما كان طعمها علقماً، حيث تستغل الأوضاع الأمنية المتردية بفعل الحرب الأهلية التي تنشب بين الصوماليين ومؤشرات التوتر القائمة بين الفصائل المتحاربة، والتي لم يتم السيطرة عليها بعد.
إذاً الأوضاع في الصومال تتجه من سيىء إلى أسوأ، وعدد النازحين يتزايد يوماً بعد يوم واقترب من المليوني نازح، بعد الإخفاق الذي منيت به جميع الجهود والمساعي العربية التي بذلت لوقف الاقتتال بين الفصائل المتناحرة بفعل العامل الخارجي الذي يغذي الحرب الدموية بين هذه الفصائل، وفق خطط تآمرية تهدف إلى ما هو أبعد من هذا الاقتتال وأبعد من الحرب، ما دامت أميركا ترى في أن استقرار الصومال ووحدة أراضيه يشكل عائقاً رئيسياً أمام تنفيذ مخططاتها الرامية إلى تحقيق الضغوط على دول أخرى أو استهدافها بصورة غير مباشرة انطلاقاً من منطقة القرن الإفريقي.
فجيبوتي المطلة على باب المندب تحتشد في مياهها الإقليمية العشرات من البوارج العسكرية الأميركية، والمدمرات المختلفة وحاملات الطائرات، وناقلات الجند وتشهد أراضيها حركة متزايدة لطائرات النقل الأميركية التي تقوم بنقل الآلات والمعدات العسكرية وآلاف الجنود الأميركيين إلى الأراضي الجيبوتية التي بدؤوا يعسكرون فيها، ويتخذون مواقعهم القتالية، فيما بررت وزارة الدفاع الأميركية تواجدهم في جيبوتي بأنه يأتي في إطار خطة الانتشار العسكري الأميركي للحرب على الإرهاب الذي تشكل الصومال أحد معاقله الرئيسية حسب زعمها.
أما أثيوبيا وإريتريا اللتان تشكلان محوراً رئيسياً وثقلاً إقليمياً في منطقة القرن الإفريقي، تمران حاليا بمرحلة خطيرة من التداعيات السياسية والعسكرية في علاقتهما ببعض، بسبب الصراع الدائر بينهما على أقاليم بارمي وشيرالو وزالمبيسا التي سيطرت عليها القوات الأثيوبية أثناء الحرب التي خاضتها مع القوات الإريترية في أيار 1998، والتي على أثرها تقدمت إريتريا برفع دعوى قضائية إلى محكمة العدل الدولية تتهم فيها أثيوبيا باحتلال ثلاثة أقاليم من أراضيها، وهي الدعوى التي فصلت فيها محكمة العدل الدولية بالحكم لصالح أثيوبيا ورفضته إريتريا وأصرت على أحقيتها التاريخية في الأقاليم المتنازع عليها، وسعت إلى نقل الدعوى وأثارتها في المحافل الإقليمية والدولية، ولم تلق أي صدى لذلك، كما أن أميركا التي لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا وتتدخل فيها، لم تتدخل هذه المرة وتركت الطرفين يعالجان الموقف بنفسيهما، كي تستغل الوضع في حال تفجر الأزمة حربياً، لتأتي وتحولها إلى حرب شاملة، وتجد لنفسها الذريعة لتتدخل عسكرياً، من أجل إحداث تغييرات في الخريطة الإفريقية.
والآن إذا ربطنا ذلك بالوضع الصومالي الذي حصلت أثيوبيا بموجبه على ضوء أخضر من واشنطن وإسرائيل للتدخل فيه ولعب دور رئيسي في إعادة تشكيله، بما يخدم توجهاتها المتوافقة مع التوجهات الأميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عما تتصف به العلاقة الأثيوبية-الإسرائيلية من تميز وثيق يخدم السياسة الإسرائيلية في منطقة القرن الإفريقي التي تهدف إلى احتواء كل من مصر والسودان، عبر ما تقدمه دولة الكيان الإسرائيلي من مساعدات مالية لأثيوبيا بلغت حتى وقت قريب عشرات المليارات من الدولارات كي تقوم أثيوبيا ببناء عدد من السدود التحويلية على منابع نهر النيل.
بالنتيجة فالشعب الصومالي ليس بمقدوره مواجهة آلة الحرب الأميركية الضخمة والصمود أمامها في حال شنت عليه واشنطن الحرب إلا بإيجاد حل للأزمة التي يعيشها أبناؤه، وإنهاء الحرب الطاحنة، والتطلع إلى المستقبل بعين واسعة لرؤية الغايات الأميركية على حقيقتها والتي تستهدف افريقيا برمتها، فتاريخه الكفاحي يشهد له ضد قوى الاستعمار، وإشعال النار تحت أقدم الغرباء لا أن تشتعل أرضه تحت أقدام أبناء الجلدة الواحدة.