أميركا لا تريد أن تخسر أي حرب تقودها على امتداد البشرية، ومع ذلك منيت بهزائم كثيرة عبر تاريخها الطويل. فعلى امتداد القرن التاسع عشر،
اضطرت أميركا للتخلي عن احتلال كندا التي كانت لندن تدافع عنها باستماتة. وبين عامي 1919، 1921 انتهت الحروب الأميركية المتواضعة على الأراضي الروسية ومواجهة اليابان والبلاشفة بهزيمة نكراء أرغمت واشنطن على الشروع بمصالحة مبدئية مع موسكو وذلك عام 1922.
ولعل أكثر ما واجهته أميركا من فشل حروبها، تلك الحرب والهزيمة النكراء سياسياً وعسكرياً في فيتنام . وما زاد الطين بلة، الهجوم الصيني المضاد والانتصار على كوريا عام 1951، ولكن الأمر الذي خفف من وطأة تلك الهزائم، الوجود العسكري البريطاني في كندا، والذي ساعد على توفير إمكانية ولادة تحالف واشنطن- لندن، الذي بات حاسماً فيما بعد لتحديد مستقبل ومصير القرن العشرين.
ذلك أن العلاقات البراغماتية (النفعية) التي أقامها روزفلت مع الاتحاد السوفييتي في الثلاثينيات، مهدت الطريق أمام التحالف الكبير المعادي (هتلر من عام 1941 وحتى عام 1945).
أما الهزيمة النكراء على الأراضي الفيتنامية، فقد تم تعويضها بالانتصار الدبلوماسي الذي حققه كيسنجر مع الصين، وقد أسست ولادة اتفاق صيني- أميركي في الثمانينات من القرن الماضي والذي اتسم بقدر كبير من الأهمية في نهاية الحرب الباردة، بينما راحت فيتنام تستجمع قواها وتتوحد، وتحركت في الوقت نفسه الورقة السوفييتية بطريقة عقيمة قبل أن تقلد فيما بعد استراتيجية التنمية الصينية في التسعينيات.
ومع ذلك تبقى الهزيمة هزيمة ولا شيء يعوضها أو يجّمل صورتها. وعندما ترتكب الأخطاء الاستراتيجية وسط خط قوة يتهاوى ، فإن الهزيمة تصبح عاملاً مضاعفاً، وفي هذا الوقت الراهن ينبغي لأميركا أن تعقد تحالفاً مع الصين والهند، ولاسيما بعد هبوب رياح الهزيمة من كابول قبل أشهر قليلة، وأصبحت الهجمات العسكرية التي تشنها قوات التحالف للقضاء على طالبان عبثية ولا تحقق أي نتيجة .
وفي أفغانستان لم يتم تحقيق أي انتصار عسكري وكذا الحال مع العراق، وصولاً إلى الوضع المتوتر مع إيران، والذي يضاف إلى مجموع العوائق والمصاعب التي تواجهها أميركا، ولاسيما أن إيران تلقى تأييد ودعم تركيا لها، وهي التي اعتبرها أوباما منذ اللحظة الأولى لرئاسته شريكاً هاماً، وقد انخرطت في عملية مصالحة جديدة مع واشنطن.
فمن الصعوبة بمكان في ظل الظروف الراهنة أن تنسحب أميركا من العراق بشكل نهائي، وأن تعتمد أيضاً على تركيا لاحتواء القوة الإيرانية.
وفيما يتعلق بالوضع في أفغانستان ، فإن كل شيء يشير إلى أن انتصار حركة طالبان لن يساعد على تحقيق مصالحة حقيقية مع جيش باكستاني متعطش للنصر، بعيداً عن تحقيق أي مصالحة مع الجارة الهند، ناهيك عن أن موقف حلفاء أميركا في الشرق الأوسط وتحديداً في المنطقة العربية، أصبح ضعيفاً نتيجة التضامن العالمي مع قطاع غزة.
فمثل هذا الانجراف شهده التاريخ عقب فشل الغزو الفرنسي - البريطاني لقناة السويس بين عامي 1956و 1960.
ففي ظل هذه العوائق والصعوبات المرتبطة بأخطاء استراتيجية أميركية على مستوى السياسة الخارجية، يجد باراك أوباما نفسه في مأزق حرج.
ففي هذه الحالة يشبه أوباما تماماً «لندن جوهانسون» الذي ألغى التمييز العنصري، ليجد نفسه فيما بعد غارقاً في فيتنام بطريقة مخزية، كما يقول أحد الصحفيين الألمان .