هذه ليست المرة الأولى التي تفيض فيها مشاعر الغرب بالإنسانية والغيرة على حياة المدنيين، لابل والقلق على مصالحهم والتحالف وحشد القوى لتدمير وقتال من يهدد أمنهم وتصدير الديمقراطية الغربية لتعميمها ونشرها بدلاً عن هذه القيم الشيطانية التي لا تناسب الشعوب أبداً.
فالاحساس بالانسانية عند الدول الغربية المتسلطة، هو إحساس لا يعادله أي شيء ولا يوجد مثيل له عند كل شعوب الأرض قاطبة وإلاّ ماذا نسمي تحالف هذه الدول وهي الأغنى والأقوى عسكرياً لقتال وحصار ليبيا والتي لايزيد عدد سكانها عن (6) ملايين نسمة بحجة القضاء على قوات القذافي ولإنقاذ حياة المدنيين؟! والقيام بضرب الأهداف المدنية والبنى التحتية وتدمير القدرات الليبية وإرجاع البلاد عشرات السنين للوراء لخلق مجالات لشركاتها الكبرى للفوز بعقود من أجل إعادة الإعمار؟! أليس ذلك من الانسانية؟!
ماذا نسمي تدّخل الولايات المتحدة الأميركية في سورية وقيامها بتمويل المعارضين للإصلاح، بل بإدخال الاسلحة للارهابيين عبر العراق لزعزعة الوحدة الداخلية وتهديد الاستقرار الذي تعيشه سورية وتخريب التطور الذي تشهده ذلك لأن الموقف السوري يشكل سوراً عالياً أمام المشروعات التآمرية الأميركية الصهيونية.
فهل ذلك من فرط الإحساس بالانسانية والغيرة على السوريين؟!
(تمارا ويتس) مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية والمكلفة بالملف الانساني وبرنامج الديمقراطية في الخارج صرّحت بأنه لدى الإدارة الأميركية مجموعة أفكار ومبادىء تسعى إلى تطبيقها على المجتمع السوري عبر أطراف المعارضة ومن خلال التحريض وإثارة الفتن الطائفية لضرب حالة الألفة بين أطياف المجتمع السوري لإشغال السوريين عن دورهم كقوة ممانعة داعمة للمقاومة وبالتالي إحداث حالة من الفوضى لرسم خارطة جديدة للمنطقة. تصب أولاً وأخيراً لمصلحة اسرائيل. فهل ذلك من الشهامة والإنسانية؟!
(جيفري فيلتمان) السفير الأميركي في لبنان بين عامي (2004 و2008) والذي كان لايعرف حدوده وحجم صلاحياته، كان يتدخل بكل شاردة وواردة في الشأن اللبناني حيث كان يطلق عليه (المندوب السامي).
إنه هذه الأيام مقيم ومتجول بين العواصم العربية لا لشيء... فقط كرامة للشعوب العربية وحباً في العيال الديمقراطية المصنّعة في مطابخ البيت الأبيض إلى العرب.. لقد حطّ في تونس بعد رحيل بن علي وكان له الدور الكبير في دعم نظام مبارك وخاصة في حصار غزة وبناء الجدار الفولاذي وزار البحرين أيضاً ولم ينس المرور على الكويت وكذلك الرياض وبالطبع كان له محطة في صنعاء.. فهل هذا النشاط المحموم والسريع في سبيل الإنسانية!!!!؟
في زيارته المفاجئة والأخيرة لبغداد، صرّح (بيل غيتس) وزير الدفاع الاميركي بأنه لدى الإدارة الأميركية النية لتمديد وجود قواتها في العراق بعد انتهاء تاريخ انسحابها في نهاية هذا العام، وقال غيتس لصحيفة (نيويورك تايمز) إن العراقيين بحاجة لبقاء القوات الأميركية فترة أخرى.
قبل أسبوعين عرض راديو كندا الدولي والذي يبث بالفرنسية تقريرين حول الآثار الجانبية. لاستخدام الولايات المتحدة لليورانيوم المخصّب في قصف العراق خلال عملية الغزو عام 2003 حيث عرضت صور لاطفال مولودين حديثاً مشوهين تماماً، بعض الوجوه فيها عين واحدة، وهناك أجساد برأسين وحالات أخرى تدمي وتبكي العيون والقلوب... لقد استخدمت الولايات المتحدة في تلك الحرب أطناناً من هذه القنابل من أجل الاشتباه بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والتي ثبت أن لاوجود لها... فهل اعترفت واشنطن بفداحة أخطائها بإلقاء هذه القنابل (التي تمتلك تأثيراً أكبر من أسلحة التدمير الشامل) على الأبرياء!؟ بالطبع لا بل إنها اليوم وبوقاحة تطلب من العراقيين أن يطالبوا بتمديد بقاء القوات الأميركية لأنهم بحاجة لمزيد من التدمير والقتل والتشويه والفساد والتشريد واليتم والجوع والفقر... فهل كل هذه المفردات مرادفة للإنسانية والديمقراطية الغربية!؟!.
كيف نسمي وجود القوات الفرنسية في ساحل العاج لدعم مصالحها عبر دعم الرئيس الجديد الذي ارتكبت قواته وكذلك القوات المؤيدة لعزيمة الرئيس المنتهية ولايته مجازر ومذابح بحق المدنيين.. ولماذا تتواجد القوات الفرنسية أيضاً في كل من بوركينافاسو ومالي وأفغانستان والصومال وحالياً تشارك في حملة الناتو على ليبيا، وفرنسا هي أول من بدأ الهجوم الجوي والغارات على ليبيا وهي من استقبلت المعارضة الليبية.
إن الفرنسيين كالأميركيين والبريطانيين وككل الغرب يحاولون تزيين صورتهم كدعاة سلام، يدافعون عن الانسانية والقيم... لكن هذه الصورة مزيفة ومضللّة، فعندما يتكلم الغرب.. فهو لا يتحدث من منطلق الغيرة على حياة المدنيين... فمنذ متى تهتز للغرب شعرة عندما يجرح مواطن عربي، ومنذ متى كان الغرب يسارع للدفاع عن العرب ويحرص على توفير الديمقراطية لهم...
إنها لعبة المصالح وتشويه الحقائق وسيلة للوصول إلى المصالح، حيث لابد من الكذب والتضليل للظهور بمظهر المدافع والغيّور على الإنسانية وتقديم المساعدات بينما لا يتعدى ذلك كونه غطاء من المجتمع الدولي للتدخل في شؤون الغير ومن ثم نشر الحريات والديمقراطية على النمط الغربي ليبدأ بعدها مسلسل الحروب والصراعات الأهلية التي ستمهد لاستعمار جديد تخطط له دول الهيمنة وكل ذلك بالتأكيد كرمى لعيون اسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل... إنها الاستراتيجية التي بدأت منذ أكثر من قرن والتي يسعى لرسم ووضع خطوطها النهائية حيث ترسم خطوط الأفق المحيطة بأرض الميعاد.