admin
boss
عدد المساهمات : 591
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
الموقع : منتدى ريادة الترفيهي
المزاج : رايق
 |  موضوع: ما لم يقله "سيغموند فيلتمان" عن الحريري  الثلاثاء أبريل 12, 2011 11:33 pm | |
|  الأخبار في ويكيليكس أيضاً وأيضاً، وتحديداً في النص «التحليلي النفساني» والسردي الوقائعي في آن واحد، الذي كتبه جيفري فيلتمان عن سعد الدين الحريري في 13 حزيران 2006، نقاط كثيرة لا بد من التوقف عندها، لا بل ثمة ضرورة لكل لبناني ومعني بالشأن العام للتأمل في دلالاتها ومضامينها.
نقطة أولى بارزة، تكمن في بحث الدبلوماسي الأميركي الخبير في نواحي الحياة الخاصة للمسؤول اللبناني الوريث، وهو ما يمكن فهمه في الذهنية الأميركية التي تبدو نقيضة للذهنية الفرنسية في هذا المجال، ذلك أن فرانسوا ميتران، مثلاً، يمكن أن يخفي مازارين، ابنته من خارج الزواج، طيلة عهديه الرئاسيّين، فيما هي غير مخفاة، لكن الفصل القاطع لدى أهل باريس بين الشخصيتين "الخاصة" و"العامة" لمتعاطي السياسة، يسمح بذلك، ويقبله، حتى إنه يعدّ أيّ خروج إعلامي أو سياسي عنه خرقاً لأعراف "حرمة الحياة الشخصية" لأبناء "الابنة البكر للكنيسة"، بينما في واشنطن، من تقاليد الحياة العامة الأميركية "النبش" في ثواني كل شخصية سياسية، بحثاً عن أي تفصيل خاص يصير قضية عامة، حتى ولو كان سيجارة كيف مراهقة، أو تهرّباً من خدمة عسكرية قبل أربعين عاماً.
بهذه الذهنية، أكثر منها الخلفية الاستخبارية أو الابتزازية ربما، كتب فيلتمان عن حياة الحريري الشخصية. فتوقف عند موضوع الكحول. نقل عن جعجع أن سيد قريطم يقدّمه ضيافة. وأشار إلى أن طائرته تحوي أفخر أنواعه. أول ما يلفت في هذا الكلام هو التناقض بين ما يوحيه من سلوك شخصي لصاحبه، وسلوكه العلني أو العام. ذلك أن من المسوَّق إعلامياً أن الحريري الابن، تماماً مثل والده الراحل، ومثل طبقة كاملة من سياسيي هذا الزمن «الديني» من بيروت إلى الرياض وما بينهما، يلتزم حياة «شرعية» و«فقهية» متزمّتة أو متشددة أو تقيّة ورعة حتى أدق تفاصيلها. ومن المعروف عن الحريري الابن أنه في الجانب الظاهر من حياته العامة، يمتنع كلياً عن شرب الكحول، لا بل يُلزم ضيوفه وحتى مضيفيه بذلك. فمن من اللبنانيين والأجانب الذين صادف وجودهم معه، أكانوا ضيوفاً أم مضيفين، في مكان واحد، لم يفاجأوا بهذا الإكراه القمعي، المتمثل في منع الكحول ولو على مئة طاولة، ولو لأكثر من ألف شخص، لمجرد أن شخصاً واحداً يلتزم بذلك «إيمانياً».
فجأة تنسف ملاحظة فيلتمان هذا الأمر، لا بل تضعه في خانة الازدواجية بين الظاهر والباطن، بين المعلن والمضمر، بين الزعم والحقيقة. وقد يرى البعض في الأمر حقاً من حقوق الشخصية السياسية في الحيّز الخاص من حياتها، تماماً على الطريقة الفرنسية. وهذا أمر مفهوم ومقبول وصحيح. وقد يراه آخرون نوعاً من تقيّة باطنية، كالسمة التي تشمل غالباً كل أتباع السلوكيات «الطهرانية» في زمن العولمة. غير أن للمسألة بعداً آخر، هو العلاقة على مستوى المرجعية الأخلاقية بين مذهبين أنتروبولوجيين: الأول ما يعرف باسم ثقافة الذنب، والثاني هو ثقافة العيب. في المذهب الأول، يقوم مقياس الأخلاق والقيم والفضيلة على مصدر داخلي ذاتي. وهو ما يحدّد مفهوم ما هو ذنب أو لا، بمعزل عن الآخر ومعرفته بما تقوم به. أما في المذهب الثاني، فمرجعية الخطأ والصواب هي الآخر، الناس، ومن يحيط بك. في الثقافة الأولى، الخطأ هو ما يقول لك ضميرك إنه خطأ، فيصير في ذاتك ذنباً. في الثانية، الخطأ هو ما يقول لك الآخرون إنه خطأ، فيصير في مفهومهم لديك عيباً وحسب. في المذهب الأول، أن تسرق فلساً، ولو لم يدر به شخص أبداً، هو ذنب عليك وعلى ضميرك. في المذهب الثاني، أن تسرق بلداً، يمكن ألّا يكون عيباً، إلا إذا عرف الآخرون به.
مسألة ثانية لافتة في «جانبية» الحريري بقلم «سيغموند فيلتمان»، هي وصفه للناس، الحلفاء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء. مثل قوله عن نايلة معوض وبطرس حرب إنهما «مسيحيان أكثر من أن يكونا جيّدين للبنان». ماذا يعني هذا التوصيف؟ بمعزل عن التفاصيل وصحته أو عدمها، الجليّ أن الحريري هو من يملك صورة لما يمكن الآخر أن يكون عليه. هو من يحدد مواصفات الآخر «المقبول». فتصير مقبولاً لا كما أنت، بل كما يريد لك أن تكون. حتى ولو كنت «الآخر» المختلف عنه، أي «المسيحي الجيّد للبنان»، أو ربما، خصوصاً هذا الآخر. «ذمية سياسية»؟ ليس بالضرورة. بل مسألة نهج كياني كامل، يشمل الفرد والجماعة والمجتمع والدولة. هكذا تُفهم أحكام الحريري «المطلقة»: الموارنة مصابون بالبارانويا. المستشارون ليسوا غير رجال يردّدون «نعم سيد». أما باقي التقويم والتصنيف، فعند المحقق الدولي. يحق ربما لابن الحريري أن يكون كذلك. وقد يكون مسؤولون كثيرون في لبنان مثله. لكن هل يحتمل بلد التوازنات الهشّة والتعددية الدقيقة ذهنية كهذه؟ | |
|
(5).jpg)
