عندما ننسب كلمة ثقافة إلى شعب ما ويتم التساؤل حول دورها في حياتنا خلال مرحلة من تاريخه مرحلة محددة الأهداف وفقاً لما يتم فيها من شروط ذاتية وعالمية وما يحدث من تفاعل تركيبي دائم التطور والصيرورة فإن الإجابة على هذالتساؤل
لن تخرج عن كونه جملة تعميمات غامضة أو قافزة فوق أفق الحقائق المعاينة في الوقائع إلا إذا توفر شرطين لتحقيقها :
الأول : تحديد من هو ذاك الشعب منتج تلك الثقافة
الثاني : تحديد المعنى من مصطلح الثقافة
إن أي شعب ينتج ثقافة أو يعيد إنتاجها باستمرار لن يستطيع ذلك إلا تأسيساً على التنوعات والتجانسات الواسعة التي يتصف بها بنيانه التركيبي وهذه الحالة تنطبق على أي شعب من شعوب العالم المختلفة إما العرب بما لهم من تاريخ واسع في المدى الزماني والمكاني واسع في حجم الفعالية الحضارية المتنوعة واسع في إنتاج الأنساق الثقافية المختلفة داخل النمط الكلي الذي يجمع خصائل حركة تلك الأنساق وتطوراتها المتباينة ومن هنا نقول أن العرب ساهموا بشكل مميز وواضح وفعال في الحضارة الإنسانية التي عبرت إلى كل أنحاء العالم .
أما الشرط الثاني فالثقافة لا تعني الأدب والفكر والفن وحسب بل تعني كل ما تصطنعه مجموعة بشرية مامن إضافات على معطيات وجودها البيولوجية في الطبيعة كي توفر لنفسها استمرار البقاء الناجح ، غير أننا هنا نقصر معنى كلمة ثقافة على الأدب والفكر والفن مع ملاحظة أن إنتاج هذه الأجناس يرتبط بقوة وصميمية مع بقية جوانب الثقافة في معناها العام ويتبادل معها في سياق الحركة التاريخية الحضارية للمجتمع أوسع علاقات التأثر والتأثير .
وأخيراً نقول : أن قصر دلالة الثقافة على الكتابة الأدبية ونواتجها النصية هو نوع من التقصير لمصطلح ( الثقافة العربية ) فهل ترانا واصلين ذات يوم في كتاباتنا الى احترام دقة المصطلح ، وهل تستطيع ثقافتنا أن تعبر الحدود بين أقطار الوطن الواحد وهل تستطيع ثقافتنا أن تجمع ما تفرقه السياسة وهل تستطيع ثقافتنا أن تعيد أمجاد الماضي العريق وتصبغه بلون المستقبل المشرق وهل تستطيع ثقافتنا أن تكون منفتحة على الآخرين محافظة على خصوصيتها ؟ هذه الأسئلة وغيرها قدتحرض لدى كل قارئ إجابة ويطمح بها إلى تحقيق بعض أهداف ثقافتنا العربية ...