ويكيليكس ينــشر «غســيل» واشــنطن الوســــخ
أســــرار تعــــرض علــــى الملأ
ترجمة: لميس باشا
افتتاحية
حتى في أسوأ الاحتمالات، لم يكن السياسيون ولا المصرفيون ولا المنشقون، ولا قادة العالم ولا مسؤولو الحكومات، يتصورون أن تنشر أسرارهم بهذه الطريقة.
لنسأل التاريخ: كيف يمكن للسر أن يكون سراً؟ هذا السؤال الأول الذي فرضته منشورات ويكيليكس الأخيرة، التي تضمنت أكثر من ربع مليون وثيقة خاصة بوزارة الخارجية الأمريكية، والتي تم نشرها في صحيفة الغارديان وصحف أخرى. إن أغلب محتوى المواد المنشورة هو بالتأكيد خاص جداً، فعندما يقوم أناس على امتداد العالم بإعلام الدبلوماسيين الأمريكيين بأمور حساسة جداً، إنما يفعلون ذلك وهم يتوقعون بأن هناك درجة عالية من السرية التامة تحيط بتلك المعلومات، لكن كلمة «خاص» لا تعني بالضبط كلمة «سري».
من الواضح الآن أنه تم إرسال هذه المعلومات السرية عبر شبكة أمريكية حكومية داخلية تعرف بـ /SIPDIS/ليتم توزيعها بشكل أوسع بين الدبلوماسيين في الدوائر العسكرية والحكومية.
ومن الممكن أنه تم تصنيفها بأنها «سرية» لكن تبقى الأسرار نسبية، فهناك حوالي /3/ ملايين أمريكي تحق لهم قراءة المادة المصنفة بهذه الطريقة.
من الواضح أن السلطات الأمريكية تتوقع أن المعلومات المرسلة عبر الكابلات، كما حدث في الوثائق الخاصة بالعراق وأفغانستان، كانت تتسرب عن طريق أدوات خاصة مصنعة من قبل شخص ما، كما هو حال الجندي X (22 سنة) الذي قام بملاحقة ومتابعة المعلومات من مكتبه كضابط رفيع المستوى في بغداد، لذلك قبل أن يوجه مسؤولو الحكومة الأمريكية أصابع الاتهام إلى بعضهم البعض، ربما يتوجب عليهم أولاً الاعتراف بدورهم في بعثرة «الأسرار» على الشبكة الداخلية العالمية.
أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه: ما هو «السر»؟من المفيد هنا أن نتذكر كلمات ماكس فرانكل «المحرر السابق في صحيفة نيويورك تايمز» التي كتبها إلى صحيفته الذين كانوا يدافعون عن الصحيفة ضد الدعوى القضائية بشأن مطبوعات نشروها عن البنتاغون في عام 1971 «تسريب مماثل للتسريب الحالي» كتب فرانكل: «عملياً إن كل شيء تقوم به حكومتنا من وضع خطط وأفكار وتعليقات خاصة بالسياسة الخارجية يتم ختمها والتعامل معها بسرية - بعد ذلك يتم نشرها من قبل ذات الحكومة، أو من قبل الكونغرس أو الصحافة، في جولة مهينة مستمرة، أو من خلال العلاقات الاجتماعية، أو من خلال تبادل المعلومات».
إن المعلومات التي أرسلت إلى ويكيليكس تحتمل مختلف الاحتمالات، فهناك أشياء كانت معروفة على نطاق واسع، وهناك أشياء كانت ذات مغزى خاص، بسبب نوعية المصادر أو التحليلات، وهناك أشياء لم تكن معروفة بشكل واسع خارج الدائرة المغلقة بـإحكام.. فعلى سبيل المثال هناك الوضع الحقيقي للقضايا المثيرة للجدل الخاصة بالأنظمة القمعية، إضافة إلى الدلالات المكشوفة لقادة العالم الذين كانوا يتخيلون أنفسهم أنهم في شراكة آمنة مع الأمريكيين.
وأخيراً، هناك الأشياء غير المعروفة من قبل العالم، ومن بينها توجيهات إدارية باسم هيلاري كلينتون للدبلوماسيين من أجل جمع معلومات شخصية تتضمن معلومات إحصائية وعناوين وإيميلات خاصة بالقيادة في الأمم المتحدة.
هذه التوجيهات كانت واحدة من «التعليمات أو ( التوجيهات) الاستخباراتية الخاصة بالبشر»، تم إرسالها من وزارة الخارجية عبر شبكة / SIPDIS/ إلى الدبلوماسيين على امتداد العالم، تلزمهم بجمع مثل هذه المعلومات عن عدد كبير من الناس.
عندما وقعت المادة في أيدي ويكيليكس، قررت -باعتبارها منظمة- أن تنشر معلومات من كافة الأنواع، وفي الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأمريكية تعارض نشر الوثائق، اعترفت بأن تورط هيئات الأخبار لم يقدم حماية فقط إلى الكثير من المصادر، وإنما قدم بيئة للمعلومات التي -تخلصت منها ببساطة- كانت مروعة وخالية من أية بيئة مماثلة، وكما قالها غارتون آش: إنها (الوثائق) حلم المؤرخين وشبح الدبلوماسيين..