أكد ميثاق الشرف الإعلامي العربي على عدم السعي وراء منفعة شخصية، والافتراء والتشهير المتعمد أو سوق التهم التي لاتستند إلى دليل،
أو انتحال أقوال ونسبتها إلى الغير أو إثارة الغرائز بالكتابة والرسوم، أو إشاعة الانحلال والابتذال والخروج على الآداب والأخلاق العامة.
وإذا كان صحيحاً أن على الصحافيين اتباع معايير أخلاقية في الحصول على المعلومات وتوخي الدقة والتوازن والموضوعية وعدم إثارة الغرائز والتحريض- وهذه مبادىء قاطعة وواضحة- فإن الصحيح أيضاً أن ليس من شأنهم التستر على جرائم الشرف، فالإعلام بذاته يشكل ملاذاً للموضوعية بمنأى عن الموقف الأخلاقي من الأحداث التي تحدث للبشر على الأرض.
لكن الواضح أن مكانة الصحافة في المجتمع الحالي تفتح شهيات العاملين فيها إلى الشهرة والمكسب غير المشروع، ففيها من الإغراءات المالية مافيها وفيها من المنافذ إلى الشهرة مافيها أيضاً، فضلاً عن حجم الأسرار والمعلومات التي قد تتجمع في أدمغة الصحافيين اللامعين.
من الأسباب التي تؤدي إلى انتهاك الأخلاق الإعلامية أن بعض الصحافيين الطامحين إلى الشهرة والمال والنجاح قد لايجدون سبيلاً عبر رواتب محدودة تكبر أو تصغر تبعاً لوضعيات المؤسسات التي يعملون فيها، وتتأثر على هذا النحو أو ذاك بشروط العمل وسلاسل الرتب والرواتب ولأن الصحافة توفر لهم المجال للكسب، تراهم ينتهزون الفرصة السانحة للخروج على ضوابط الآداب المهنية.
ومع الدور المتعاظم للإعلام باتت السفارات وأجهزة الاستخبارات والشركات الكبرى تبحث عن «إعلاميين مرتزقة» تغريهم بالمال وتعدهم بالمناصب مقابل صياغة مقالات «تحت الطلب» أو نشر معلومات تفتقر إلى الأسباب المؤدية إلى الدقة والموضوعية.
ومن الإخلال بأخلاقيات الإعلام أنه من غير الممكن كشف حقيقة الغش أو الخداع في التقارير الإخبارية قبل نشرها بالنظر إلى خصوصية المادة الإعلامية المفترض أن تستند إلى مصادر وأن يحظى كاتبوها بالثقة في عالم يسبح فوق بحر من المعلومات ويغص بالأحداث والأخبار التي باتت تغطي جوانب النشاط الإنساني كافة فضلاً عن الأخبار المتصلة بالطبيعة والبيئة، وحتى الفضاء.
ومن دون الغوص في الأسباب -المبررات التي تؤدي أو توفر الفرصة الملائمة للانحراف عن آداب المهنة فإنه لأمر خطر أن تفقد صحيفة أو وسيلة إعلامية سمعتها بسبب انتهاكات أدبيات المهنة. حيث ذهبت أكثر الدول ليبرالية وسمعة في مجال حقوق الإنسان والحريات إلى وضع مواثيق شرف، ففي فرنسا وبدءاً من عام 1918 وضعت نقابة الصحافيين الفرنسيين «ميثاق شرف» ثم راجعته ونقحته بصيغة معدلة عام 1938 ليصير واحداً من مواثيق الشرف الأكثر تأثيراً في حركة الالتزام الإعلامي بأدبيات المهنة.
وفي الولايات المتحدة التي تهتز سمعة وسائل إعلامها من وقت إلى آخر بالنسبة إلى كثرة التجاوزات الأخلاقية أو مايسمى بالفضائح، قد يتفق الصحافيون أو معظمهم على الأقل أنه من المفترض ألا يقدم الإعلاميون على «فعل عشرة أشياء» نذكر بعضاً منها: الكذب بالكلمة المكتوبة أو على الهواء، الكذب على المصدر أو تهديده نقل الشائعات أو المعلومات غير المؤكدة، وفرض رأي أو حذف رأي لايوافق عليه المرء.. وتنص المادة الثانية من ميثاق الشرف الذي وضعته لجنة حرية الإعلام التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (إحدى منظمات الجمعية العامة للأمم المتحدة) على التالي: تتطلب المزاولة الشريفة للمهنة الصحافية الإخلاص للمصلحة العامة، لذلك يجب عليهم أن يتجنبوا السعي وراء منفعتهم الشخصية أو تأييد المصالح الخاصة المتعارضة مع المصلحة العامة أياً كانت الأسباب والدوافع فالافتراء والتشهير المتعمد، والتهم التي لاتستند إلى دليل وانتحال أقوال الغير، كل ذلك غلطات مهنية خطيرة، وإخلاص النية إزاء الجمهور يعتبر أساساً للصحافة المحترمة الجديرة باسمها ، وكل نبأ يتضح كذبه وضرره بعد إذاعته يجب على الفور تصحيحه طواعية كما يجب صياغة الشائعات والأنباء التي تفتقر إلى الإثبات في قالب متسم بطابعها الحقيقي».
ومهما يكن من أمر الجدل عن الأسباب التي تؤدي إلى الانحرافات الأخلاقية في مجالات الإعلام على اختلافها (طبيعةالمهنة، الهيئات الحاكمة..) الجهات التي تشترك فيها فإن التجربة دلت على الحاجة إلى مايمكن تسميته«الأخلاق الرسمية» على مستوى آداب مهنة الصحافة وممارستها ذلك لأن الإعلام مكتوباً أو مسموعاً ومرئياً بات يشكل مؤسسة اجتماعية كبرى في كل بلد وعلى مستوى العالم بأسره، ينخرط فيه عشرات الألوف من العاملين ويتأثر بنتائج ماينشر ويعمم من معلوما