من الأمور الداعية للخشية والتهيب هو ما نعيشه اليوم من حالة الانتظار والترقب لما قد يحدث في شهر أيلول، ويزداد قلقنا كلما مضى يوم واحد يقربنا من موعد الزلزال السياسي الذي نتوقع حدوثه،
وعلى خلاف التسونامي الذي حل باليابان بشكل مفاجئ دون توقع لحدوثه، فإن التسونامي الذي سنتعرض له معروف بالموعد والماهية بشكل مسبق، حيث عبر وزير (الدفاع) ايهود باراك عن تهيبه عندما أعلن على الملأ توقعه بحدوث تسونامي سياسي، لكن ما قاله يبقى في إطار التنبؤ والاعتقاد، إذ ليس له من دور بما سيجري.
وهو في قوله هذا يماثل أي متنبئ جوي ينقل لنا الحدث دون أن يكون له تأثير فيه وقد كان من الحري بوزير (الدفاع) إصدار بيان واضح لما قد تؤول إليه الأمور، لكن الواقع يؤكد عدم وجود فعالية له في السيطرة على ما قد يحدث، إذ ليس له من دور في تغيير موعد قدوم شهر أيلول من كونه يأتي بعد شهر آب وقبل شهر تشرين الأول، كما أننا لا نعلم إن كان بانكفائه في مكتبه يسعى إلى إعداد مسودة عن خطوط دفاع سياسية تمكن من إعداد خطة استراتيجية أو دبلوماسية؟ أم بهدف إعداد مبادرة سلام؟ لكننا نعتقد أن باراك سيعلو صوته بعد خمسة شهور مكرراً عبارة «لقد قلت لكم ذلك» وقد يكون محقاً في كلامه عندما تحدث عن تسونامي سياسي.
لم يكن باراك الوحيد في الحكومة الذي حذرنا من مغبة ما سيحدث، بل إنه حتى رئيس الحكومة الثرثار نتنياهو ووزير خارجيته قد أعلنا وهددا باتخاذ إسرائيل لخطوات أحادية الجانب في حال إعلان الفلسطينيين عن قيام دولة لهم لكننا نرى أن تلك الأقوال والتصريحات لن تجدي نفعاً ولن يكون لها من وقع في نفس أحد ذلك، لأنه في الوقت الذي يطلق به أولئك الساسة تلك العبارات الفارغة يؤكد المحللون السياسيون في الأمم المتحدة أن 130 أو 150 دولة ستعترف بالدولة الفلسطينية، أما الولايات المتحدة فقد تعذر عليهم معرفة موقفها حتى الآن.
عندما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض إزاء مشروع قرار يدين الاستيطان أشارت أنه قد يكون الفيتو الأخير، الأمر الذي يدعونا للتساؤل إن كانت ستستخدم هذا الحق أم أنها تقرر الاعتراف بدولة فلسطينية أسوة بالدول الأخرى؟ فمن المعلوم أنه ليس لدى أوباما من خطة في الوقت الحاضر، وأنه لا يثق بالوعود الإسرائيلية التي نأت عن تقديم جدول زمني لتنفيذها.
علينا ألا نوغل في الأحلام عن مبادرة إسرائيلية أو أميركية لمعالجة الوضع الراهن، بل علينا أن نعلم بأن الدولة الفلسطينية سوف تحصل على الاعتراف في شهر أيلول وسيكون لها تمثيل دبلوماسي في معظم دول العالم، الأمر الذي يشكل الجانب الرسمي للاعتراف، ويمثل تصفية لحسابات تاريخية مع القادة الإسرائيليين الذين دأبوا على رفض قرارات الأمم المتحدة فماذا يمكن لإسرائيل أن تفعل؟ هل ستقاطع الدول التي بعثت بسفرائها إلى فلسطين وتمنعهم من الوصول إلى رام الله عبر مطار بن غوريون؟
لا ريب أن فلسطين عندما تصبح عضواً في الأمم المتحدة سيكون لها وضعها القانوني ومكانتها الدولية، الأمر الذي يمكنها من إقامة الدعاوى على إسرائيل في المحاكم الجنائية الدولية، وستتمكن من إنشاء مطار خاص بها دون أن يتطلب ذلك موافقة إسرائيلية، وستطالب باتخاذ إجراءات دولية ضد الاحتلال الإسرائيلي بدلاً مما يجري في الوقت الحاضر من الاكتفاء بشجب التصرفات الإسرائيلية، وستطالب بفرض عقوبات حقيقية عليها، وربما يصار إلى نشر قوات دولية لحماية أمن المواطنين الفلسطينيين الأمر الذي سيغنيهم عن القيام بانتفاضة عنيفة أو غير عنيفة لأن الغضب الدولي من إسرائيل قد وصل إلى أشده، ما قد يفضي إلى حل المشكلات الفلسطينية دفعة واحدة.
ثمة احتمال آخر هو انضمام إسرائيل إلى الأسرة الدولية بالاعتراف بدولة فلسطينية وإنهاء النظرة لتلك الدولة باعتبارها تهدد كيانها ووجودها، وتشارك في اجتماع الدول المانحة الذي سينظمه الفلسطينيون بعد الاعتراف بدولتهم، وعندها يمكننا ألا نتهيب من شهر أيلول، إذ إننا لسنا في حلبة مصارعة لا يبقى بها على قيد الحياة سوى متنافس واحد.
يمكن أن يتحول شهر أيلول المثير للقلق الإسرائيلي إلى منطلق نحو أمور أفضل في حال إبداء إسرائيل رغبتها بإجراء محادثات مع دولة فلسطينية معترف بها وهذا سيقود إلى تغييرات ليس من المؤكد أنها تفضي إلى الإضرار بالمصلحة الإسرائيلية، ولتعلم الحكومة الإسرائيلية بأن العودة للمفاوضات ليس بالعامل الرئيس لقيام الدولة الفلسطينية، لكن من المؤكد أن الإحجام عنها هو الذي سيسارع إلى إقامة تلك الدولة.
لا ريب أن الدولة الفلسطينية العتيدة ستقبل بتقديم بعض التنازلات ولن تلجأ إلى التهديد بالانسحاب من التفاوض، وعند قيامها سيمكن الاتفاق على ترسيم الحدود بين الطرفين وحل الإشكالات القائمة.
من المحتمل أن تكون ثمة فرصة لتشكيل تحالف جديد يضم مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل بهدف ترسيخ السلام الإقليمي أما أولئك الذين يتحسبون ويخشون من اعتراف دولي «للمتمردين الفلسطينيين» بإقامة دولة لهم فعليهم أخذ الأمور ببساطة، فالقضية الفلسطينية باتت تتمتع بشرعية دولية في الوقت الحاضر لذلك يتعين علينا ألا نتهيب من شهر أيلول لأنه لن يكون سوى بداية لعملية سلام حقيقية.