( العمل) و( الليكود) و(كاديما) و( يسرائيل بيتنا) و(شاس) وسواها عدة هي الوجوه والأسماء التي ترسم المشهد السياسي الطافي على السطح في الكيان الصهيوني، ولكن أحقاً أن هناك تباينا بين هذه الأحزاب الصهيونية؟
أي هل هناك أي اختلاف جوهري أو واضح أو حقيقي في الأيديولوجية التي يتبناها هؤلاء وسواهم؟ بالصورة الفعلية: ما الفرق بين نتنياهو وليبرمان وباراك وليفني؟ تقريب دقيق للصورة يظهر أن ليس ثمة أي فرق- لا هو جوهري ولا طفيف - بين هذه المسميات جميعها. لاحظوا مثلا أن ليبرمان هاجم تركيا بشخصي رئيس الوزراء أردوغان ووزير خارجيته واتهم تركيا ( بدعم الإرهابيين)، ولكن رد فعل نتنياهو انقسم إلى شعبتين: الأولى الزعم بأن تصريحات ليبرمان لا تعبر عن رأي الحكومة بل عن رأيه الشخصي، ما يعني تمسكه بحكومة الائتلاف التي تضم لبيرمان. والثانية، توكيد سياسة عدم الاعتذار لتركيا عن مجزرة سفينة ( مرمرة) وقتل الصهاينة تسعة متضامنين مدنيين أتراك في عملية القرصنة الصهيونية في عرض البحر المتوسط لمنع وصول سفن الحرية لقطاع غزة وكسر الحصار البحري الظالم المفروض على أهلنا هناك .
وإذا كان ثمة من نشر إعلانا مدفوع الأجر مطالباً نتنياهو بالتخلص من ليبرمان كوزير خارجية فالسبب ليس كامناً في رفض سياسات المحتلين التي يجسدها ليبرمان بل في الصورة السيئة التي يقدمها ليبرمان للوجه الصهيوني بتصريحاته المعبرة فعلاً عن الأيديولوجية العنصرية الصهيونية. والمعلنون- إن كانوا جادين- حالة معزولة أو غير فعالة في مجتمع الفصل العنصري.
ليس ثمة ما يباعد بين نتنياهو وليبرمان من ناحية وليفني وأيهود باراك من ناحية أخرى. لنتذكر أن المجزرة الصهيونية على القطاع في العام 2008 وبدايات 2009 إنما قام باقترافها ( العمل وكاديما) وليس الليكود وإسرائيل بيتنا. كما أن معدلات البناء الاستيطاني في القدس وفي الضفة الغربية عموما كانت قد وصلت إلى أرقام قياسية في فترة أنا بوليس ( اولمرت- كاديما- ليفني والعمل باراك).
فما الفرق عملياً وواقعياً بين هذه المسميات؟ هل في سياساتهم تجاه أهلنا في داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 مثلاً؟
القوانين الناظمة لعمليات الفصل العنصري ومنها (قسم الولاء لإسرائيل)- والفتاوى التي يطلقها الحاخامات بين الحين والآخر متواصلة، ومنها تحريم التعامل مع العرب الفلسطينيين الذين ظلوا متمسكين بوطنهم في أرض 1948 ورفض تأجيرهم أو بيع المنازل والمرافق لهم- سواء أكان ثمة التحالف المسمى اليميني المتطرف أم التحالف المسمى( الوسط أو حتى يسار الوسط أو ما يزعم أنه يسار).
حقيقة الأمر لا يفصل بين هذه المسميات إلا (طريقة) العمل والتفكير المحصورة في كيفية المحافظة على (إسرائيل) ككيان توسعي وكقوة فاعلة ( ومهابة) في المنطقة - والسعي دائماً إلى التمسك بالعلاقات التلاحمية مع (أقوياء العالم)- وفي عصر الهيمنة الأميركية التمسك بتمتين العلاقات مع واشنطن واستخدام عصا (الأيباك واللوبي اليهودي) في الولايات المتحدة لكي تبقى واشنطن حامية وراعية وخادمة للمخططات الصهيونية (خذوا مثلا الموقف من تقرير غولدستون- ومعارضة الولايات المتحدة إعلان دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967) وانتهاج سياسات بعينها مؤازرة للمحتلين الصهاينة حتى إن كان ذلك بالضد من المصالح العليا للولايات المتحدة.
تجلى هذا في وحدة سياسات وتوجهات الرئيسين الأميركيين جورج دبليو بوش وباراك أوباما (الديمقراطي) . قراءة ما وعد به الأخير العرب والمسلمين عامة والفلسطينيين خاصة والتخلي المتواصل عن الوعود- وبخاصة ما يتعلق منها بوقف الاستيطان في الضفة عامة، وفي القدس خاصة وإن لمدة ثلاثة أشهر- تؤكد أن التوجهات الصهيونية مستمرة بصرف النظر عن تغيير الوجوه والأسماء- إن في داخل الكيان الصهيوني أم في الولايات المتحدة.
الإصرار الصهيوني على الاعتراف ب (يهودية إسرائيل) ليس مقتصرا على الطاقم المتحالف الحالي المسمى اليمين المتطرف، فالطواقم والأسماء الأخرى ما تخلت عن المطالبة بالاعتراف الفلسطيني- والعربي- ومن ثم الإسلامي بيهودية دولة الاحتلال.. ولعل صورة نهاية أولمرت السياسية والشخصية معها ترسم كذلك شكلا من أشكال تجليات الفعل الصهيوني المتطرف. فأولمرت كان يتصرف من موقع الوصول إلى حل ما مع سورية بشأن الجولان- بواسطة تركيا- ولكن القفاز (المخملي) ما لبث أن انتزعه شركاؤه وقدموا فوراً ما يطيح به وبكاديما- بعد أداء دورهم الكامل في لعبة النجاح في التعبير عن المصالح الصهيونية- وكانت الذروة في العدوان على القطاع- تلتها مباشرة الانتخابات التي أكدت توجه الأغلبية العظمى من الصهاينة نحو الكشف عن الوجه الصهيوني المتطرف- دون وجل.
من هنا يجب ملاحظة أن اختلاف الوجوه والأسماء لا يعني أي نوع من الاختلافات الجوهرية التي جبلت عليها الحركة الصهيونية كونها حركة عنصرية عدوانية توسعية معبرة عن المنهج الاستعماري الغربي في تجليات بعينها، منها أن تكون شريكته وبديلا له وحسب الظروف.
وفي هذا ينبغي تذكير من يعنيهم الأمر ممن يخطئون القراءة أن وحدة وتجانس الصهيونية تتجلى دائماً في التنوع ( الشكلي) المطلوب لكسب المزيد من مساحات الفعل المدمر والمضعف لمن يسعون إلى حق لهم في فلسطين العربية المحتلة.