في السابع والعشرين من كانون الأول الجاري يمر عامان كاملان على اندلاع المحرقة الصهيونية في قطاع غزة، ويمر بالتالي عامان على تجاهل (المجتمع الدولي) قوانينه وقراراته ومبادئه المتفق عليها وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان.
فقبل المجزرة الصهيونية المدبرة ضد أهلنا في القطاع- والبالغ عددهم نحو مليون وثمانمئة ألف إنسان- كان الحصار الشامل قد التف حول أعناقهم جميعاً- أطفالاً ونساء وشيوخاً وشباباً ودون أي استثناء.
والواضح بعد مرور عامين على المجزرة أن هناك ما يدين ليس المجتمع الدولي فقط ولا المحتلين وحسب بل يدين كل من يتظاهر بنسيان مصير هؤلاء العرب، إلى جانب الإدانة الصارخة لمن تنكر حتى لقرارات أصدرها (العرب المعنيون) دون أن تنفذ.
أليست الجريمة مستمرة وقد أتت على أرواح المئات بعد أن قيل إنها توقفت؟
فالمحرقة ليست بالنار الصهيونية التي تابعها العالم على الهواء مباشرة وطوال اثنين وعشرين يوماً وحسب، بل هي مستمرة في حصاد الأرواح أيضاً- مستمرة في منع الحياة الطبيعية عن المليون وثمانمئة ألف إنسان، وهي مستمرة باستهداف يومي لناشطي الشعب الفلسطيني في القطاع- دون أن يرف جفن (المجتمع الدولي) الملتهب بالغضب والخوف على حياة جندي صهيوني تم أسره في القطاع.
والأدهى أن العنصريين المحتلين يحتفلون اليوم بالذكرى وعلى طريقتهم المتأصلة منذ عصابات (الهاغانا والشتيرن والأرغون) التي ابتدعت فنون الإرهاب ضد شعب فلسطين منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين وبعد وعد بلفور وسايكس -بيكو عامي (1916-1917) على التوالي.
إن استمرار العدوان حالة إدانة صارخة ضد من يتصدى ويتصدر المشهد العالمي باسم الشرعية الدولية للحفاظ على أمن وسلام العالم.
أليس الأمن والسلام في العالم هما أساس قيام الأمم المتحدة ومجلس أمنها الذي صادرته إرادة القوة الأعظم والوحيدة بعد انتهاء عصر التوازن الدولي- والحرب الباردة؟
من يحمي العنصريين القتلة اليوم من كل ما يقترفونه: بدءاً من الحصار ومروراً بالمجزرة ووصولاً إلى القرصنة في مياه المتوسط والقتل بدم بارد وعلى رؤوس الأشهاد- لا بل والاحتفال بالقتل على الطريقة التي اشتهر بها القتلة والمجرمون المحترفون عبر تاريخ البشرية.
إنهم اليوم يخططون ويجهزون لاستكمال المجزرة بعد أن تأكد لهم أن أهدافهم من اقترافها قبل عامين لم تنفذ- إرادة الشعب الفلسطيني لم تنكسر وقدرته على مواصلة الحياة وتحدي الحصار بعد العدوان وفي أثنائه لا حدود لها.
وإذا كان نتاج المحرقة في داخل الكيان الاحتلالي قد تأكد في تعميق روح التطرف والعنصرية ونجاح نتنياهو وطاقم العنصريين القتلة من ليبرمان إلى ايهود باراك فإن الواقع على الطبيعة أثبت أنه لا فرق بين ما يدعى أنه يمين وما يقال: إنه يسار في الكيان الصهيوني العنصري.
فالمجزرة - المحرقة كانت من تخطيط وتنفيذ ائتلاف (العمال وكاديما)- واستمرارها إلى اليوم من نتاج العمل ونتنياهو وطاقم العنصريين الآخرين المتطرفين في (إسرائيل بيتنا).
لا فرق إلا في التسمية. اشكينازي يهدد وعمير يهدد وباراك يتوعد.
الاختلاف بينهم في التسميات فقط أما في الجوهر فهم عنصريون وقتلة ومغتصبون.
كان أحد أهم أهداف المحرقة إعادة الثقة إلى النفس الصهيونية التي فقدتها منذ هزيمتها في حربها ضد لبنان والمقاومة اللبنانية في العام 2006، واليوم- وبعد عامين على المحاولة- يتأكد للصهاينة أنهم لم يحققوا الهدف بالرغم من أنهم قتلوا أكثر من 1400 من أهلنا في القطاع نصفهم من الأطفال والنساء وجرحوا نحو ستة آلاف من النساء والأطفال والصغار والكبار ودمروا آلاف المنازل والبيوت وشردوا الآلاف من أهلنا في القطاع- وواصلوا منع دخول كل وسائل إدامة الحياة من حليب الأطفال إلى الاسمنت- لكنهم فشلوا وخابوا ، لذلك لن نستغرب إن استأنفوا المحرقة هذه المرة هرباً من أزمتهم- الوجودية.
فالكيان الصهيوني- نظام فصل عنصري قائم لكنه زائل وهو سيواجه المصير المحتوم لكل ما هو خارج عن مسار التاريخ وطارئ عليه.
ولكن اللوم اليوم أشد منا على أنفسنا قبل سوانا: أين قراراتنا بعدم الاعتراف بشرعية الحصار؟ أين قرارات العرب التي تكررت والقائلة بضرورة كسر الحصار؟
قوافل المتضامنين من آسيا ومن أميركا ومن أوروبا وإفريقيا لن يتوقف وهي لاشك تحرج من هم في أمس الحاجة لأن يدركوا أن مصير القطاع هو مصيرهم وأن قضية فلسطين هي قضيتهم المركزية وأن الاحتلال خطر داهم يهدد الأمن القومي للعرب كلهم من المحيط إلى الخليج، ومن هذه الزاوية على الأقل عليهم واجب النهوض بمسؤولية الدفاع عن أمنهم وأوطانهم.. وهو حق مشروع لهم جميعاً؟