وسط مخاوف من أنها تمثل مسعى يهدف إلى تزوير المعالم التاريخية والأثرية في الأراضي المحتلة، أعلنت إسرائيل أمس أنها قررت تمويل ترميم 16 موقعاً تاريخياً وثقافياً، منها ثلاثة في الجولان السوري المحتل والضفة الغربية المحتلة.
وبحسب وكالة «فرانس برس» أوضح بيان لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن «لجنة وزارية برئاسة بنيامين نتنياهو وافقت على تخصيص 91.1 مليون شيكل (20 مليون يورو) لتجديد 16 موقعاً في إطار برنامج لترميم ما تزعم أنه «التراث الوطني». ومن هذه المواقع الستة عشر، «جملة» و«أم القناطير» في الجولان المحتل، و«قلعة هيرودوس» الشهيرة التي ترقى إلى الحقبة الرومانية في بيت لحم جنوب الضفة الغربية.
وكانت الحكومة الإسرائيلية أقرت بداية السنة موازنة تفوق 100 مليون دولار للحفاظ على 150 موقعاً تاريخياً في ما يسمى «إسرائيل» والضفة الغربية.
وأثار حينها الإعلان عن إدراج مواقع في الضفة الغربية المحتلة،خصوصاً «قبر راحيل» في بيت لحم، و«الحرم الإبراهيمي» في مدينة الخليل، ضمن تلك اللائحة، غضب الفلسطينيين وأدى إلى تنظيم تظاهرات احتجاج عنيفة، وأدانته أيضاً المجموعة الدولية.
وأوضح بيان نتنياهو أن ما اسماه «مشروع التراث الوطني» هذا، يجب أن نقوم به «من أجلنا نحن، ومن أجل أطفالنا والأجيال المقبلة».
ونقل البيان عن نتنياهو قوله: «يجب أن يعرف الجميع أننا لسنا هنا عن طريق المصادفة. فتاريخ الشعب اليهودي وتاريخ الصهيونية وتاريخ إرثنا الثقافي والتاريخي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه الأرض وهذه المواقع» على حد زعمه.
وفي شباط الماضي، أعربت منظمة اليونيسكو عن «قلقها» بعد إعلان نتنياهو عزمه على إدراج الحرم الإبراهيمي في الخليل وقبر راحيل في لائحة المواقع التاريخية الإسرائيلية.
وبحسب دراسة عن «الآثار في الجولان والانتهاكات الإسرائيلية» للباحث السوري عز الدين سطاس فإن موقع «أم القناطر» يقع بالقرب من قرية مجدولية التي أقيمت على أنقاضها مستعمرة إسرائيلية أطلق عليها اسم «ناطور» ويعد الموقع من أبرز المواقع الأثرية في الجولان المحتل التي تعرضت إلى التزوير، ولا يزال فنيو الآثار الإسرائيليين يحاولون طمس هويتها التاريخية الحقيقة، التي تعود إلى ما قبل القرن الرابع قبل الميلاد، وإبراز التاريخ اليهودي فيها، وأطلقت عليها اسم «كشاتوت رحبعام» في عام 2004، تخليداً لذكرى مجرم الحرب الإسرائيلي «رحبعام زئيفي» الذي ترك بصمات بشعة من جرائمه على سكان ومواطني الجولان المحتل أثناء عملية تهجيرهم وطردهم واقتلاعهم من ديارهم في عدوان حزيران عام 1967.
وحاولت إسرائيل نسب أحد المكتشفات الأثرية في «أم القناطر» إلى كنيس يهودي يعود إلى القرن الثامن الميلادي، حيث رصدت الحكومة الإسرائيلية مبلغ 600 ألف دولار لإعادة إعماره ليتمكن اليهود من الصلاة فيه.
ويوضح سطاس في دراسته أن إسرائيل ومنذ عام 1976 تعمل في عمليات تنقيب في موقع «جملة» في الجولان ويعمل في ذلك كل من شمريا جوتمان ومساعده دافيد فاغنر.
وبحسب الدراسات التاريخية فإن قرية جملة تشكل الجزء الجنوبي للجولان الشرقي وتقع في المنحدرات الشرقية لوادي الرقاد وكانت عاصمة الجولان في العصر الهلسنكي واستولى عليها الامبراطور فيثاباثيانوس عام 68 ميلادية وقام بتدميرها لكنها سرعان ما تم إعمارها وصارت إحدى نقاط الجيش البيزنطي في معركة اليرموك وعثر في جملة على كتابة يونانية مسيحية منقوشة على حجر يمكن الوصول إليها بعد قطع خمسين كيلومتراً باتجاه الشمال الغربي انطلاقاً من مدينة درعا.
وسكن قرية جملة في الفترات القديمة عرب الزلوف والمناذرة التي أعطت لنهر الشريعة اسمها شريعة المناذرة أو اليرموك (هيروماكس القديم) وهو اللفظ اللاتيني الذي استخدم أول مرة من قبل الرحالة والمؤلفين العرب كالإدريسي وأبو الفداء في القرن الثاني عشر الميلادي.
ويؤكد سطاس أن جميع النشاطات والإجراءات، التي قامت بها إسرائيل في منطقة الجولان، تعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الذي لا يسمح لأي قوة محتلة، بالتنقيب عن الآثار في الأراضي المحتلة، أو القيام بأي عمل، من شأنه أن يغير المعالم الطبيعية أو الآثارية.