الحوار الهادئ بين الزوجين.. متى وكيف؟
"الحوار" لغة العصر.. وأهميته تعلو بين الزوجين من حيث كونهما في سفينة واحدة، ويعد من أهم مقومات نجاح الزواج؛
إذ به تتقارب وجهات النظر وتتسع المفاهيم والمدركات، وهو وسيلة ناجحة للتعبير عن المشاعر والخواطر والأفكار..
ولكن ما العمل لو أصبح الحوار وسيلة لتدمير العلاقة بين الزوجين؟ وكيف السبيل إلى إصلاح الخلل وإعادة العلاقة من
جديد؟! هذا ما يجيبنا عنه التحقيق التالي..
يقول الدكتور "صفوت حجازي" (داعية إسلامي): إذا كانت العلاقة بين الزوجين مبنية على التراحم والتفاهم والحب،
ومحاطة بسياج من الحنان؛ فلابد أن يكون الحوار بين الزوجين هادئاً وذلك من خلال:
- التنازلات التي يقدمها كل من الزوجين لمرضاة الآخر لا أن يحاسب أحدهما الآخر على كل صغيرة وكبيرة وعلى كل
هفوة، فلابد من التغافل عن الهفوات والتغافر عند وقوع الزلات.
- أن يعلم كل من الزوجين أن كرامة الطرف الآخر هي كرامته هو, لا أن يردد: لقد أهنتِ كرامتي وكذلك تردد هي..
فعندما يخلو الحوار من مثل هذه العبارات فلن يُوأد الحوار في مهده وسيكون بناء ومثمراً بإذن الله.
- اختيار الأوقات المناسبة.. وألا تنسى الزوجة عندما يعود زوجها من عمله أنه مثقل بمتاعب يوم كامل؛ فلا تفاجئه
بحديث قد لا يروق له الخوض فيه في هذا التوقيت, وعلى الزوج كذلك ألا ينسى أن زوجته مثقلة بمسؤوليات البيت
والأولاد فلا يفاتحها في مناقشة أمور تثير حفيظتها في أوقات تعبها.. فليكن الحوار في وقت يتخيرانه ويريانه مناسباً.
يقول د. "مجدي الهلالي" (صاحب العديد من المؤلفات الدعوية والتربوية):الحوار له أهمية قصوى بين الزوجين، وعندما
يهمل الحوار فإن العلاقات بين الزوجين تكون جافة متوترة ومبهمة، لذلك لابد أن يعملا على استخدام لغة الحوار في
مناقشتهما ليتم من خلاله استيعاب أي خلاف وأي سوء تفاهم يحدث أولاً بأول.. ولكي يكون الحوار بين الزوجين هادئاً
وناجحاً:
- لابد أن يدرك كل من الزوجين أهمية الحوار وآدابه وضوابطه.
- وجود أرضية مشتركة للتفاهم بين الزوجين؛ لأنه عندما تصبح اهتمامات كل منهما مختلفة عن الآخر؛ فإن هذا من شأنه
أن يجعل أي طرف منهما ينصرف بذهنه عندما يبدأ الآخر في الحديث ومن ثم لا يجتمعان على رأي واحد مهما طال وقت
الحوار.
- دور التربية الأسرية الأولى التي ترباها الزوجان في بيوتهما؛ فلو كان بيت كل منهما توجد به مساحة للحوار لاتسم
حوارهما بالنجاح.
- تقوية الصلة بالله حيث إن ارتكاب المعاصي من شأنه أن يؤدي إلى تضخم الذات, وهذا بدوره يؤدي إلى الاعتداد
بالرأي, وعدم تحمل النقد وعدم القدرة على الظهور بمظهر الجاهل المحتاج إلى المعرفة..
- يجب عدم انشغال الزوج بأعمال كثيرة تنهك قواه, وتستنفد طاقاته؛ مما يجعله لا يستطيع تحمل الحوار والمناقشات؛
فيؤدي ذلك إلى استخدام سلطته بإنهائه واتخاذ قرارات منفردة ديكتاتورية.
وترى الأستاذة "إيمان الكردي" (شاعرة إسلامية وصاحبة إصدار خير الأطهار): إن الزوجين إذا مرت عليهما السنون
الطوال اكتسبا نوعاً من الصداقة الزوجية؛ فتصبح الزوجة هي الصديقة الأثيرة لدى زوجها أكثر من أي صديق أو قريب
يبثها همومه وأحزانه ويعبر لها عن مشاعره ويحكي لها عما يخالج نفسه، وكذلك هو بالنسبة لها.. وقد يحدث لحديثي
الزواج شيء من سوء فهم أحدهما للآخر، ولكن مع مرور الوقت يعرف الزوج ما يروق لزوجته الحديث فيه وتعرف هي ما
يستميل قلبه.. ومن الحكمة تفطن كل منهما لذلك وتحري المواضيع والعبارات التي تستميل الطرف الآخر ومفاتحة بعضهما
البعض بما يثري الحوار بينهما ويجلب المتعة ويقوي علاقة المودة والسكن.
وليست المرأة بالطبع هي وحدها المسؤولة عن فتح الحوار وموضوعاته وضرورة الالتزام بآدابه؛ بل هي مسؤولية
الزوجين معاً؛ فلا يتأتى الحوار الهادئ بينهما ما لم يكن هناك تفاعل ومسايرة في الحوار بين الطرفين، ولكن بحكم
تكوين المرأة وعاطفتها وحنانها فمن المفترض فيها احتواء المشكلات والتنازل من أجل استمرار الحياة بينهما، وهذا لا
يتعارض مع كون نجاح الحوار مسؤولية مشتركة بينهما وذلك من خلال:
- مراعاة الاهتمامات وحسن الإنصات.. فما من شك أن مادة الحوار الهادئ بين الزوجين تتفاوت وتتنوع بحسب أمزجة
وميول كل منهما.. فيجب على الطرفين مراعاة اهتمامات كل منهما, فقد يتحدث الزوج بحديث لا يروق للزوجة؛ مما يشكل
فجوة في تبادل الحوار أحياناً؛ لعدم توافر الاهتمام بالموضوع لديها، فعليها تدارك ذلك بإبداء الاهتمام وحسن الإنصات.
- هناك بعض الموضوعات التي لا تروق للزوج، ولكن لابد منها كاحتياجات المنزل والمتطلبات المادية، فلتترك المرأة
طريقة سرد الطلبات؛ ففي ذلك شعور بالثقل على كاهل الزوج، مما يسبب قمعاً للحوار وفتحاً لباب الاتهامات بين
الزوجين، فهي تتهمه بالبخل والتقصير، وهو يتهمها بالإسراف والتبذير؛ فينشأ عن ذلك جفاف العلاقة ونضوب مجالات
الحوار..
والمرأة الذكية هي التي إذا أرادت شيئاً من زوجها فاتحته بما يحب من موضوعات مسلية حتى يسكن قلبه ويهدأ باله
ويروق حاله، ثم تنتقل تدريجياً إلى ما تريد، فلا يشعر بثقل ما أرادت على نفسه فيكون ذلك أدعى لموافقتها.. فإنه هنا
قد يرفض طلبها بهدوء وربما يرضيها ببديل ترتضيه فيكون في ذلك درء للخصام والجدال.
- نبرة الصوت تؤثر على الحوار.. فمن طرق إثراء الحوار الهادئ بين الزوجين محافظة كل منهما على نبرة الصوت,
فارتفاع الصوت وحدته يشعر الطرف الآخر بالتحفز وحب الغلبة، وأحياناً قد يؤدي لخلق المشكلات وغلق أبواب الحوار.
- طريقة عرض الشكاوى والمشاكل قد تؤثر سلباً على الحوار الهادئ، فيجب أن تراعي الزوجة الوقت المناسب لعرض
شكواها أو طلبات الأسرة، فقد تداهم الزوجة زوجها وقت تعبه أو عند عودته من العمل أو في أوقات شغله وتفكيره؛
مما يزيد التوتر والعناد, فلتكن هذه الأوقات لفتح المواضيع المحببة لدى الزوج أو الأخبار السعيدة.
- الثقة بين الزوجين تؤدي إلى الألفة والانسجام, فمن أهم وسائل زرع الثقة الكاملة في نفس كل منهما تجاه الآخر:
المحبة والحرص على مصلحة الأسرة؛ مما يخلق جواً مليئاً بالألفة والتوافق ووحدة الهدف.
- التسلط، من أعظم الأمور المدمرة لأساليب الحوار، والرفق هو الحل، فليدع الزوج التسلط جانباً؛ فهو من أعظم أسباب
الجفاء والشعور بأن الزوج قد تقلد وظيفة "العسكري" داخل المنزل بأمر ديني وينتظر التنفيذ، فتنشأ علاقة الخوف
والمداراة وتنعدم أسس الحوار الهادئ.. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه و لا ينزع من
شيء إلا شانه". (صحيح الجامع 4041).
- البوح بالمشاعر الإيجابية يثري الحوار.. فعلى الزوجين البوح بالمشاعر الإيجابية والحديث عن الشعور الداخلي تجاه
كل منهما للآخر من محبة وامتداح لتصرفات معينة, أما المشاعر السلبية - إن لم يكن الغرض منها الإصلاح ـ فالأولى عدم
البوح بها أخذاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يفركن مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها غيره" (صحيح
الجامع7741) بل قد يمتدح أحد الطرفين الآخر بما ليس فيه؛ أملاً في أن يصبح ذلك من خلقه فينصلح حاله ويستقيم، فقد
رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الزوج لزوجته أن يقول أحدهما ما ليس في الآخر، وذلك من باب الإصلاح
وإثراء الحوار البناء.
ويقول الدكتور"أكرم رضا" (صاحب العديد من المؤلفات المختصة بشؤون الأسرة): إن الحوار يحتاج إلى مبادئ وأسس
ليصبح نافعاً ومفيداً منها:
- الإنصات وليس مجرد الاستماع، ويمكن تحقيق ذلك بتعزيز الحوار عن طريق الابتسامة وهز الرأس بالإيجاب.
- عدم المقاطعة والانتظار حتى ينتهي الطرف الآخر من الحديث، وليكن الهدف من الحوار هو الفهم العميق للطرف الآخر
ورأيه، وليس المعاتبة والاستجواب.
- عدم إصدار الأحكام وقت الإنصات للطرف الآخر.
- أن يكون كل واحد منهما مسؤولاً عن عباراته وذلك بالبدء بـ "أنا" وليس "أنت" والأفضل تكرار الضمير "نحن" في أكثر
من موقف لإشعار الطرف الآخر بالمشاركة.
- استخدام الحديث البناء أثناء الحوار عن طريق: أشعر, أتمنى.
- أعيدي صياغة ما سمعته من شريكك للتأكد من دقة فهمك للرسالة التي استقبلتها.
ويحذر د."أكرم رضا" من أشياء قد تدمر الحوار بينك وبين زوجك بأسرع ما يمكن، ومنها:
- التظاهر بمعرفة بما سيقوله الزوج أو يفكر فيه قبل التلفظ به!
- معاتبة الزوج على كل مشكلة مهما صغرت!
- تجنب التحدث عن المشاعر الإيجابية تجاه الزوج!
- عند الخلاف لا تنسي استحضار خلافات سابقة لم تحل!
- مناقشة الزوج عندما تكون روحك المعنوية منخفضة!
- تصحيح كلمات زوجك الخاطئة أولاً بأول!
- مناقشة زوجك أمام أهلك وأهله!
- مصارحة زوجك بكل عيوبه مرة واحدة!
- استمرارك في النقاش حتى لو رأيت الغضب على وجه زوجك! ...