ترجمة
الاثنين 13-12-2010م
احتل الحريق الهائل الذي أتى على مساحات كبيرة من غابات جبل الكرمل وأدى الى مقتل أكثر من أربعين جندياً من جيش الاحتلال وجرح العديد حيزاً كبيراً في تعليقات الصحف الإسرائيلية، فمنها من وصفه بالكارثة وآخر بالمصيبة وشبهه تعليق آخر
بالتقصير الذي حدث في حرب تشرين عام 1973، وسارعت تعليقات أخرى للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، بل وصل الأمر ببعض التعليقات بالمطالبة باستقالة حكومة نتنياهو كما قالت معاريف:»مصيبة الحريق في الكرمل، الأزمة التي بات هذا يومها الرابع، تتضح رويداً رويداً كأحد الأحداث الأكثر خطورة في تاريخ «إسرائيل»، ولعلها الأخطر منها جميعاً. بعدد الضحايا فيها، تقل فقط عن مصائب عسكرية كبرى.
فضلا عن القتلى والجرحى، جُبي ثمن بشري جسيم من آلاف المُخلين من بلدات منطقة الكرمل، التي أصابت النار منازلهم أو تهددها. وانكشفت دولة «إسرائيل» بإهمال محزن بل وخطير يدعو الى التنكيل. فهي لم تستعد مسبقاً لمواجهة الشر، رغم التحذيرات والمناشدات التي لا حصر لها؛ ومع انتشار النار اضطرت الى التوجه الى دول في أرجاء المعمورة لإنقاذها، في قطار جوي من الطائرات والمروحيات، والمواد ورجال الإطفاء. لو تبقى في حكومة نتنياهو القدر الأصغر من فهم واجبها، فإنها ستصوت هذا الصباح بالإجماع، بما في ذلك وزراء شاس، على إقامة لجنة تحقيق رسمية، خلافاً للجان الفحص، لاستيضاح ملابسات المصيبة، قصورات منظومة الإطفاء والمسؤولية عن الخلل متعدد السنين. سلسلة القيادة واضحة – مأمور الإطفاء والنجدة، شمعون رومح، الذي يتولى منصبه منذ ثماني سنوات (منذ الولاية السابقة لايلي يشاي في وزارة الداخلية)؛ الوزير يشاي؛ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كيف تتوزع بينهم وبين وزارة المالية ومحافل أخرى المسؤولية – هذا القول سيكون إحدى مهمات لجنة التحقيق، التي سيطرح إقامتها نتنياهو اليوم على رئيس المحكمة العليا، دوريت بينش، التي ستشكلها وتقرر إذا كانت ستقف على رأسها بنفسها. الحرب على إيران, المفاعلات النووية, بقاء نتنياهو في مقعده...
الرأي العام والمعادلات الثلاث
وترى تحليلات أن الحريق قد كشف أكذوبة جهوزية الجبهة الداخلية على اعتبار أن ثلاث معادلات باتت تشغل الرأي العام في «إسرائيل» في أعقاب الحريق ففي المعادلة الأولى ترى إسرائيل أن إيران وبرنامجها النووي واقترابها من خطوط الجبهة الإسرائيلية عن طريق حزب الله وحركة حماس تمثل أكبر خطر يواجه الدولة العبرية، ما يستوجب ضرورة التحرك ضدها سريعا حتى لو كان ذلك التحرك منفرداً ودون مشاركة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية.
وفي المقابل يتساءل كاتب إسرائيلي: إذا كانت «إسرائيل» أعدت نفسها للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية بحفنة من الطائرات والصواريخ والغواصات بعيدة المدى فهل استعدت لمواجهة الصواريخ الإيرانية وما ستحدثه من حرائق ودمار في المدن الإسرائيلية؟
المحللون الإسرائيليون يرون أن ذلك التساؤل الذي طرحته العديد من وسائل الإعلام والمعارضة فى إسرائيل قد يؤجل خطط الحكومة الإسرائيلية لفتح جبهة جديدة مع إيران.وبينما ارتأت بعض قوى المعارضة حريق الكرمل الأخير فرصة للإطاحة بوزير الداخلية إيلي يشاي (المنصبة جهوده على استرضاء المتطرفين اليهود وحزب شاس)، يرى الكثيرون أن «يشاي» ليس إلا حلقة واحدة في سلسلة من الوزراء الذين أهملوا تأمين الجبهة الداخلية في إسرائيل.
تشكيل قوة إطفاء إقليمية
وفي المقابل يسعى نتنياهو للرد على منتقديه من خلال إعلانه عن رصد ميزانية ضخمة لتدعيم فرق ومعدات إطفاء الحرائق فى إسرائيل، إلا أن طموح نتنياهو فى هذا الجانب امتد لتشكيل قوة إطفاء إقليمية بالمشاركة مع دول الجوار وهو الطرح الذي تعوقه الكثير من مواقف إسرائيل السياسية واعتداءاتها المتلاحقة على الفلسطينيين وهو ما يعني تورط الدول المشاركة لها فى القوة المقترحة فى مواقفها العدوانية.
فإسرائيل تمتلك مخزوناً من الرؤوس النووية يتراوح بين 150 و200 رأس نووي وفق التقديرات المعلنة بجانب مفاعل نووي مهترئ انتهت صلاحيته منذ أكثر من 15 عاماً إلا أنها تصر على مواصلة تشغيله. ما يعني أن ترسانة إسرائيل النووية تشكل خطراً على جميع جيرانها، إن لم يكن عسكرياً فعن طريق كارثة كرمل جديدة ذات طابع تشرنوبيلي.
«إسرائيل».. قوة نووية.. ولكن؟!
ومن ضمن الأسئلة الكبيرة التي أثارها حريق الكرمل سؤال كبير طرحه صحفي إسرائيلي في يديعوت احرونوت: كيف لدولة لم تستطع مواجهة حريق أن تواجه كارثة نووية ؟ فضلاً عن مدى نجاعة إجراءات السلامة التي تتبعها إسرائيل في منشآتها النووية. وماذا لو اندلع ذلك الحريق بالقرب من أحد مواقعها النووية سواء التخزينية أو الإنتاجية؟. فالحقيقة التي كشفها حريق الكرمل أن إسرائيل نجحت في إقناع العالم بأنها قوة نووية ولكنها فشلت في إقناعه بقدرتها على الحفاظ على تلك القوة وحماية نفسها منها.
فحريق الكرمل جاء في الوقت الذي تخطط فيه إسرائيل لإنشاء محطات نووية جديدة لتوليد الكهرباء، وفي ذلك الاتجاه يشكك الكاتب أفيف ليفي في صحيفة «معاريف» فى الإجراءات الاحترازية التي تتخذها إسرائيل مع صناعاتها السامة ويتساءل:هل نجحت «إسرائيل» في التعامل مع المخلفات الخطيرة لمصانع الكيماويات وتسريباتها لتضيف إلينا مشكلة تسريبات نووية جديدة؟.
ويشير الكاتب إلى خطر طبيعى آخر يتهدد إسرائيل ستزيد منشآتها النووية من كارثيته وهو توقع الجيولوجيين تعرض إسرائيل لهزة زلزالية شديدة العنف خلال السنوات القليلة المقبلة. ويختتم ليفي مقاله بالقول: «الحظ وحده هو الذي جعلنا نعيش في سلام مع مفاعل نووي عمره نصف قرن وقوات دفاع مدني مفلسة».
لا شيء يشفع للإهمال والتقصير
معظم المحللين الإسرائيليين يتفقون على انه لم تشفع لبنيامين نتنياهو سرعة الاستجابة للحريق وطلب المساعدة الدولية لتصل فى الوقت المناسب، كما لم يشفع له حرصه على التقاط الصور الصحفية مع رجال الإطفاء ومتابعة الحريق ميدانياً أو الوعود التي أطلقها بتدعيم قوات الإطفاء وتشكيل قوة دولية للغرض ذاته.فكل ذلك لا ينفي حقيقة إهمال تدعيم الجبهة الداخلية والتقصير في حماية الشعب فى الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لخوض حرب جديدة قد تحدد بدايتها لكنها لا تستطيع تحديد موعد انتهائها.
كل ذلك تلخص في عدد من التعليقات في الصحف الإسرائيلية كان أبرزها أن الفشل في مواجهة الحريق أعاد للذاكرة الإسرائيلية حالة الرعب التي أصابت الإسرائيليين مع اندلاع حرب أكتوبر 1973.
ويتوقع ياروم كانيوك الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت قرب خروج نتنياهو من الحكومة مشبهاً وضعه بعد الحريق بوضع الحكومة الإسرائيلية في أعقاب حرب تشرين والتي حاول وزراؤها التمسك بمقاعدهم إلى أن تمت الإطاحة بهم في عام 1977.ويؤكد ياروم أن الشعب الإسرائيلي لن ينسى بسهولة لحظات العجز والرعب التي عاشها مع حكومة نتنياهو أمام حريق الكرمل وهي نفس اللحظات التي عاشها من قبل عام 73، فللفشل في مواجهة الحريق ثمن سياسي ستدفعه حكومة نتنياهو مع أول مواجهة مع صندوق الانتخابات
محاولات لتوقع الكارثة القادمة
من جهتها قالت معاريف في مقال لها: «يحاول الجميع اليوم توقع الكارثة القادمة، على افتراض أننا نعلم الآن الاستعداد للحرب السابقة، التي كلفت حياة العشرات والمحمية الطبيعية الكبيرة في الكرمل. لكن الحرب السابقة كانت قبل ذلك: ففي 2006 اشتعلت غابات الشمال في حرب لبنان الثانية، في مساحة أكبر. والفرق الوحيد هو الواقعة المأساوية لحافلة مصلحة السجون وضباط الشرطة الكبار: فمن غير الضحايا، ولنعترف بالحقيقة، كانت الضجة الإعلامية أقل كثيرا. بعد 2006 أيضا استمر الإهمال المتعمد لأجهزة الإطفاء؛ وما لم نبدأ النظر الى الدولة والأمن بمفاهيم مدنية، وماذا يفعلان من اجلنا وكم يلائمان عملهما، ستكون الحال نفس الحال– مع ايلي يشاي أو غيره.