(لا يمكنك أن تكون سعيداً مع كل هذه الجراح في جسدك وعقلك)، القول لجندي في الخامسة عشرة من العمر.
ظاهرة الجنود الأطفال، كما الإبادة الجماعية والاستعباد والتعذيب، واحدة من تلك الجرائم التي لا يمكن لأي دولة الدفاع عنها بشكل شرعي، ومع ذلك قررت إدارة أوباما مؤخراً ترك أعداد لا تحصى من الأطفال تدفع إلى بعض من أكثر ساحات الحرب دموية في العالم.
فقد صعقت الإدارة جماعات حقوق الإنسان في الشهر الماضي بتفاديها الالتزام بمساعدة بعض الدول على كبح الاستغلال العسكري للأطفال، وذكر الصحفي جوش روجين من foreign policy بأن الرئيس أوباما أصدر مذكرة رئاسية تضمنت التخلي عن قانون منع تجنيد الأطفال في أربع دول إفريقية، وأعلمت المذكرة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأنه من (المصلحة القومية) استمرار تقديم المساعدة العسكرية لتلك الدول، رغم فشلها في الإذعان للقوانين التي أقرها الكونغرس ووقع عليها جورج بوش عام 2008 وأوضح ب. ج كراولي المتحدث باسم البيت الأبيض بأن تخفيف قانون عام 2008 قرار استراتيجي، والتفسير المنطقي أنه من الأفضل للولايات المتحدة الاستمرار بتوفير المساعدة العسكرية التي تساعد الدول على التوقف بشكل تدريجي عن دفع الأطفال إلى أرض المعركة عوضاً عن عزلنا، ونوه المتحدث بالدور الحاسم الذي تلعبه هذه الدول في الجهود العالمية لمواجهة الإرهاب.
واستراتيجياً يعكس السماح لبعض الدول بالتغافل عن حقوق الأطفال موقف واشنطن الملتوي تجاه نظام حقوق الإنسان العالمي والولايات المتحدة لم تصادق، أو ببساطة تجاهلت عدداً من بروتوكولات حقوق الإنسان وقد فترت مصادقتنا على معاهدة حقوق الطفل، وأشارت منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى أن الولايات المتحدة والصومال لم توقعا على المعاهدة.
عام 2006 ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجود تسعة وخمسين طفلاً معتقلاً خلال ست عشرة زيارة لخمسة سجون أو معتقلات تحت سيطرة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في العراق، وتحدث الجنود الأميركيون في مراكز الاعتقال عن الإساءات بحق الأطفال المعتقلين بما فيها اغتصاب طفل في الخامسة عشرة في سجن أبو غريب، التعري القسري، اتخاذ أوضاع مجهدة، الضرب واستخدام الكلاب.
ولاحقاً لزيادة الجنود الأميركيين في العراق مع بداية 2007، ارتفعت نسبة اعتقالات الجيش الأميركي للأطفال هناك من 25 طفلاً بالشهر عام 2006 إلى مئة بالشهر، وذكرت مصادر عسكرية رسمية أن 828 طفلاً اعتقل في معسكر كروبير مع منتصف حزيران بما فيهم أطفال لم يتجاوزوا الحادية عشرة.
في آب 2007 افتتحت الولايات المتحدة دار الحكمة، وهو مكان غير معد للسكن يهدف لتوفير خدمات التعليم لستمئة معتقل بين الحادية عشرة والسابعة عشرة إلى حين إطلاق سراحهم أو نقلهم لسجن عراقي، وقد استثنى المسؤولون العسكريون الأميركيون مئة طفل من المشاركة بالبرنامج على أساس أنهم متطرفون أو غير قابلين للإصلاح.
عمر خضر، المعتقل الكندي الشاب في غوانتانامو، لا يزال واقعاً في مصيدة نظام شبه قضائي سخيف دون اعتبار لحقيقة أنه كان طفلاً حين اعتقل، محامون، مثل مونيا مازيك في أوتاوا، نادوا لاعتبار خضر جندياً طفلاً، ولكن يبدو أن الحكومة تعتقد بأن الإدانة في محكمة غير شرعية لها أسبقية على القانون الدولي، ولأن خضر كحال كبقية المعتقلين، يملك وجهاً أسمر هو العلامة الأميركية للإرهابيين، فإن الأميركيين لا يتنازلون حتى لرؤيته ككائن بشري، عدا أنه جندي صغير يستحق الشفقة.
إذاً يتألف النفاق الأميركي المتعلق بالأطفال والحرب من طبقات كثيرة، فأوباما يشجب الممارسات نظرياً ثم يقوض القانون الفيدرالي بإصدار تنازلات لشركائنا في إفريقيا والشرق الأوسط وبالطبع، لا ترى واشنطن أي مشكلة في معاقبة الجنود الأطفال كالكبار عندما يصنفون مع الإرهابيين المصممين على تدمير أميركا.
ومن الواضح أن معاهدات الأمم المتحدة وحدها لن تتمكن من تسريح كل الجنود الأطفال في العالم، ولكن دورها الأساسي هو كبح أي تشريع لتجنيدهم والولايات المتحدة تقوض القيم الأخلاقية في كل مرة تتخلى عن قوانين أميركية بسبب المصلحة القومية.
ربما تبدو مذكرة أوباما صادمة، ولكنها تتناغم وبشراسة مع أجندة واشنطن المتعلقة بشن حرب غامضة دون حدود وضد عدو لم نعد قادرين على تحديده، إن الولايات المتحدة تدعم حرباً تستخدم الأطفال كسلاح حرب تقتل المواطنين الأطفال بلا قيود، حرب سترسل في النهاية أطفالنا نحن للموت على تراب غريب، وهكذا تمضي أميركا في عالم من الصراع حيث الضحية الأولى هي البراءة نفسها.