أمريكا. .
جائعة !!
ترجمة: ياسر البشير
باترك مارتن
أفاد التقرير الجديد الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية أن حوالي 15 بالمئة من الأسر في الولايات المتحدة - بما فيها 17.4 مليون عائلة أي حوالي 50 مليون شخص - فقراء جداً لدرجة لم تمكنهم من الحصول على ما يكفي من طعام خلال العام الماضي. ووجدت الدراسة أن أكثر من ثلث هذه الأسر، مع ما يصل إلى مليون طفل، لم يتمكنوا من الحصول على وجبات طعام منتظمة.
في حين أن عدد الأسر التي صنفت على أنها "بلا أمن غذائي" وفقاً لتقرير الوزارة التي تدير برنامج الإطعام قد تزايد أكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2007 قبل الركود الاقتصادي الحالي الذي أدى إلى تفاقم البطالة.
ولأن معظم الناس يترددون بالاعتراف بوجود مشكلة لديهم حول وضع الطعام، خاصة من لديهم أطفالاً، فأصبحت مشكلة "انعدام الأمن الغذائي" تُحسب من أسئلة الاستطلاع التي تتم حول تخطي وجبات الطعام أو نفاذه جنباً إلى جنب مع مقارنات الدخل و الأسعار. فعلياً السبب الوحيد لانعدام الأمن الغذائي في أمريكا -التي تعد أكبر منتجة للمنتجات الزراعية والغذائية على هذا الكوكب- هو نقص المال. فمعدل الفقر المرتفع بشكل حاد خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث يعيش 50 مليون أمريكي تحت خط الفقر الرسمي الذي يقلل بدرجة كبيرة من الدخل اللازم للحصول على الضروريات الأساسية.
وبتسليط الضوء على التباينات الكبيرة في توافر الموارد الغذائية عبر الأسر في الولايات المتحدة، لاحظ تقرير وزارة الزراعة أن الأسرة النموذجية المنعمة بالأمن الغذائي تنفق أكثر بـ 33 بالمئة من دخلها على الطعام أكثر من الأسرة ذاتها معدومة الأمن الغذائي.
وتماشياً مع سياسة إدارة أوباما في التقليل من عمق الأزمة الاجتماعية، صرح كيفن كونكانون -مسؤول الوزارة الذي أطلق التقرير- بأن المسح الأخير للجوع أظهر "استقراراً" في المشكلة مقارنة بالسنة الماضية، وبعبارة أخرى فالعديد من الناس عانوا الجوع في عام 2009 كما في 2008.
وأضاف كونكانون أن التقرير يبعث على الأمل حيث أن عدد الجياع لم يزدد على الرغم من أن عدد الأمريكيين العاطلين عن العمل ارتفع بحدة من 9 ملايين في عام 2008 إلى 24 مليوناً في 2009، وركزت المعونات والبرامج الفيدرالية على تجنب أي زيادة أخرى في معدل الجوع، وسلط التقرير الضوء على الوضع الحرج لبرامج التغذية المساعدة للعائلات الأمريكية.
وارتفع عدد الأمريكيين الذين يتلقون معونات في إطار برنامج التغذية المساعد الإضافي إلى (42.4) مليوناً، ويوجد مليون طفل آخرين يحصلون على وجبات مجانية مدعومة بشكل يومي في المدرسة، بينما تتلقى (400.000) امرأة مساعدات غذائية متنوعة ضمن برنامج ويك، والجميع يتفقون على أن ربع الأسر الأمريكية لديها على الأقل شخص واحد يتلقى مساعدات الغذاء. وبالرغم من ذلك، فإن 43 % من الأسر معدومة الأمن الغذائي لا تشارك في أي من البرامج الثلاثة.
ورغم الارتياح الذي عبر عنه مسؤول إدارة أوباما، فهناك سبب كافٍ للاعتقاد بأن برامج التغذية الحالية، التي تعتبر بالفعل غير كافية لتلبي الحاجة الاجتماعية، سيتم خفضها أكثر من قبل الكونغرس. أما بشأن إعادة إقرار قانون تغذية الطفل هذه السنة، فسوف تتضمن نسخة مجلس الشيوخ تخفيض أكثر من بليوني دولار من معونات الغذاء لدفع التكاليف المتزايدة من أجل وجبات الإطعام في المدرسة.
في حين أنه في وقت سابق من هذه السنة، تمت زيادة إعانات البطالة للعاطلين عن العمل للمدى الطويل الممولة جزئياً من التخفيضات في برنامج كوبونات الغذاء.
وفي مجتمع يقدّر بشكل جدي قيمة الحياة البشرية ويكترث لمستقبل أطفاله، سيكون مشهد الخمسين مليون شخص بما فيهم 17 مليون طفل معرضين للجوع، كارثة اجتماعية. وبالنظر إلى الولايات المتحدة التي كانت تفاخر بقدرتها على تغذية الكوكب، فإن عدم الاكتراث بنمو الجوع في منازل مواطنيها يعتبر فضيحة وطنية إذا لم تكن دولية.
لكن الآن في أمريكا عام 2010، تحوّلت الأخبار عن الجوع إلى الزوايا الميتة في الصفحات الداخلية للصحف، فيما فشلت في إذاعة هذه الأخبار في النشرة المسائية المعنية بشكل أكبر بخبر خطوبة ويليم أمير بريطانيا.
ومن جانب آخر فقد أعطى التقرير بعداً آخر لقياس اللامبالاة الاجتماعية والقسوة والجشع لدى الأرستقراطية الأمريكية المهتمة بزيادة حساباتها المصرفية الخاصة أكثر من تخفيف المعاناة الجماعية في أغنى بلد في العالم.
وكان الرئيس أوباما قد عقد اجتماعاً في الكونغرس الجديد مع أعضائه الديمقراطيين والجمهوريين، ولكن أزمة الغذاء لم تكن على أجندة مناقشاتهم، بل ما تم نقاشه بالفعل هو شغف الأغنياء للحصول على مزيد من الثروة والمال. وحالياً تتفاوض إدارة أوباما والجمهوريون على شروط تنازل الحزب الديمقراطي لمطالب الجناح اليميني بتمديد تخفيضات ضريبة بوش للأغنياء، وسيكلف ذلك 700 مليار دولار خلال العقد القادم، أو 70 مليار دولار سنوياً، أي أكثر من تكلفة جميع برامج التغذية مجتمعة.
وفي غضون ذلك، أشاد أوباما بالاقتراح المقدم من رئيس لجنة الحد من العجز الذي فرض تخفيضات جذرية على البرامج الاجتماعية للمسنين والفقراء، تماشياً مع خفض الضرائب على الأغنياء والشركات وزيادتها على الطبقة العاملة، فأصبح شعار البيت الأبيض والمؤسسة السياسية ووسائل الإعلام هو أن الأمريكيين ينفقون أكثر من دخلهم فيجب أن يقبلوا بتخفيض استهلاكهم.
وأضحت النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، و الحزبان الديمقراطي و الجمهوري ، غير مكترثين لنمو الجوع و الحرمان، وباتت آيديولوجية السوق الحرة فكرة جيدة، حيث أن العمال الجائعين سيتقبلون أي وظيفة متاحة لهم بغض النظر عن الأجور و الظروف. ونتيجة لذلك فالطبقة الحاكمة الأمريكية تهيىء جميع الظروف لانفجار يشمل جميع مستخدميها، في حين لن تكون اتحادات التجارة و وسائل الإعلام قادرة على منع ذلك.