واشنطن تنهي الحقبة السعودية : من وكيل لكومبارس♣♣
بقلم :غالب قنديل
شكلت مفارقة النتائج السياسية لزيارة وزير الخارجية التركية احمد داود أوغلو إلى دمشق إشارة جديدة على حدود الدور الهامشي الذي ترسمه الإدارة الأميركية للسياسة السعودية في المنطقة و هي تأتي تتويجا لمسار انطلق مع التدبير الأميركي لخطة إسقاط اتفاق مكة بين حركتي فتح و حماس التي نفذها الثنائي الأمني كينيث دايتون و محمد دحلان الذي تكشفت بعض الوقائع عن تورطه في اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
أولا كان الانقلاب الشهير الذي أسقط اتفاق مكة من تدبير إليوت آبرامز و بتمويل أميركي فضحته وثائق أميركية عرض لها الباحث الأميركي أنطوني كوردسمان في حينه بينما شاركت في التنفيذ المخابرات المصرية و الإسرائيلي ة بتكليف أميركي.
إسقاط الاتفاق الفلسطيني الذي حمل التوقيع الشخصي للملك عبد الله بن عبد العزيز ، شكل نذيرا بشطب الدور السعودي في الملف الفلسطيني نهائيا ، و قد أحجمت المملكة بعد الانقلاب عن أي مبادرة لإحياء ذلك الدور انصياعا للمشيئة الأميركية في زمن إدارة جورج بوش و هي مشيئة تبدو سارية بمفاعيلها و نتائجها حتى اليوم ، مما يفيد بأنها قرار للمؤسسة الحاكمة بغض النظر عن هوية رجال الإدارة و الحزب الحاكم.
ثانيا تكررت الضربات الأميركية للدور الإقليمي السعودي فظهر تحجيم دور السعودية ضمن معادلة إنتاج السلطة العراقية الجديدة بعد الانتخابات قياسا للعاملين السوري و الإيراني و امتدت الضربات نحو الدور السعودي في الملف اللبناني الذي يمثل منذ السبعينات اختصاصا سعوديا وفق الحسابات الأميركية ، وعبر اتفاق الدوحة ظهر اعتماد الإدارة الأميركية للدور القطري في رعاية التسوية التي تتيح حماية ما تبقى من نفوذ لقوى 14 آذار ، التي قدمت لها المملكة دعما سياسيا و ماليا و امنيا كبيرا.
لم يسمح ذلك التطور بحسم الجدل حول وجود توجه استراتيجي اميركي بشطب الدور السعودي أو تحجيمه على الأقل ، من خلال تنحيته إلى الصفوف الخلفية ، حتى جاء القرار الأميركي على يد إدارة باراك اوباما بإسقاط ما سمي مبادرة سين سين بشأن الملف اللبناني و قد أسند يومها للثنائي القطري التركي دور مباشر ، في مساعي استدراك مشروع التسوية الذي دفع الأميركيون رئيس الوزراء السابق سعد الحريري في الانقلاب عليه و على الملك عبد الله ، الذي شارك في ترتيباته شخصيا خلال زيارته الشهيرة إلى لبنان برفقة الرئيس السوري ، و بعد زيارة ملكية لدمشق ، تناول فيها مع الأسد الوضع الإقليمي بجميع مكوناته و خصوصا فلسطين و العراق و العلاقة مع إيران ، و كان الميركيون بذلك يضعون نقطة النهاية لتحرك سعودي على مساحة المنطقة وجدوا فيه خطرا وشيكا بتلور منظومة إقليمية من دون إسرائيل محورها سوريا لديها القدرة على إنتاج التفاهمات و التسويات بعيدا عن الهيمنة الميركية.
ثالثا ما إن ظهرت موجة الاحتجاجات العربية بدت المملكة السعودية في موقع تلقي الصفعات الأميركية مع انطلاق الكلام السياسي و الإعلامي عن القلق السعودي من الإجازة الأميركية للإطاحة بالرئيس المصري و بعد تكشف مضمون الصفقة التي تقضي باعتماد المحور التركي القطري في مصر و تونس و ليبيا و في استهداف سوريا بعد ذلك.
ظلت المملكة على صمتها إزاء الأحداث في سوريا بينما تابع الأميركيون تنسيق الجهود لزعزعة استقرارها مع كل من انقرة و الدوحة ، وقد تحرك متطرفو المؤسسة الوهابية في المملكة لدعم تيار التكفير السوري و استمر تدفق المال السعودي المخصص لدعم تنظيم الأخوان في سوريا على الرغم من كون قادة التنظيم و حلفائهم في المعارضة السورية قد جعلوا تركيا مقرا لحركتهم السياسية و الأمنية و لاحت شبهات عن تورط جناح المخابرات السعودية الذي يقوده بندر بن سلطان انطلاقا من لبنان و الأردن و العراق ، لكن الموقف السعودي الرسمي ظل موزعا بين الصمت و الكلام المتحفظ في ظل غياب التوأم المصري الذي كان يمثل منذ زمن الرئيس انور السادات نظيرا و شريكا للقيادة السعودية في إدارة الملفات الإقليمية تحت الرعاية الأميركية و هو ما عرف بحقبة المحور المصري السعودي او بالحقبة السعودية أحيانا.
رابعا هكذا شكل خطاب الملك عبدالله بن عبد العزيز مؤشرا إلى نهاية الحقبة السعودية كليا بانكشاف حدود الوظيفة التي تريدها واشنطن للمملكة دون مراعاة لاعتبارات معنوية و شخصية تتصل بسن الملك و مصداقيته و حجم خدمات نظامه لمشاريع الولايات المتحدة و مخططاتها منذ عشرات السنين ، فقد جاء الخطاب الملكي و ما تبعه من سحب السفير السعودي استجابة لطلب واشنطن التي اوكلت إلى تركيا مهمة التفاوض مع القيادة السورية و بينما أخرج السفير السعودي من دمشق وصل إليها وزير الخارجية التركي ليعلن في ختام زيارته عن تفاهمات مع القيادة السورية بدلت من لهجة انقرة و موقفها المعلن على الرغم من الحرص البادي على إخراج سياسي ينسجم و عنجهية العثمانية الجديدة التي تتصرف كوكيل للغرب في المنطقة منذ انطلاق تجربة الشراكة بين المجلس العسكري و تنظيم الأخوان في حكم مصر.
العبرة كانت في ان خطاب الملك استعمل للتهويل على القيادة السورية و لتسهيل مهمة الوزير التركي في دمشق ، و هكذا حول الأميركيون الدولة العربية النفطية الكبرى إلى كومبارس في الجوقة التركية بعدما استهلكوا رصيدها المالي و السياسي و المعنوي لعقود مضت و هم رسموا حدود دورها الجديد ضمن النطاق الضيق لجوارها الخليجي فأجازوا لجيشها سحق ثورة البحرين و نسقوا معها في سبل احتواء الاضطرابات اليمنية الخطرة ، بأموالها و بنفوذها القبلي تحت إدارة موظف أميركي برتبة سفير و ما على صاحب الجلالة و حكومته سوى السمع و الطاعة.