لم يتوقف الصهاينة منذ إعلان نشوء كيانهم الغاصب في 15 أيار عام 1948 عن الاستمرار بتهويد مدينة القدس من غربيها إلى غربيها وشرقيها بعد عدوان 5 حزيران عام 1967.
حيث يفتح استمرار الصهاينة بتغيير الواقع في القدس الباب على مصراعيه أمام الفلسطينيين والعرب- إن توفرت النيات الحقيقية وحسن الأداء السياسي والإعلامي والقانوني والدبلوماسي- لوضع مصداقية موقف المجتمع الدولي من القدس على المحك، وذلك بالمطالبة جدياً بفتح ملف الحقوق الفلسطينية في مدينة القدس بشطريها الشرقي والغربي بشكل متكامل، طالما استمر المجتمع الدولي صامتاً وعاجزاً أمام الممارسات ( الإسرائيلية) في شطر المدينة الشرقي الذي احتل عام 1967، والتي شهدت بناء ستار حديدي من المستوطنات، ترافقت مؤخراً مع سلسلة اعتداءات نفذها المستوطنون في أنحاء مختلفة بحق عدد من المعالم الرمزية الدينية لمن هم من غير اليهود وآخرها كنيسة شارع الأنبياء في قلب القدس.
إن الخطاب الرمادي الذي حرصت الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي دوماً على استخدامه لأنه خالٍ من الشكل والمضمون ،يدعو الفلسطينيين والصهاينة إلى القبول بتطبيق (مبدأ) حل الدولتين واعتبار مدينة القدس (عاصمة لدولتين)، على الرغم من غياب أي ضمانات دولية حقيقية للجانب الفلسطيني، بأن إقامة تلك الدولة مستقبلاً سيكون على كامل تراب الأراضي التي احتلت عام 67، بما في ذلك الانسحاب ( الإسرائيلي) التام من القدس الشرقية. هذا عدا الإغفال التام والمتعمد لحق العودة الذي أصبح عرضة للشطب والإسقاط في السر والعلن، وأمام أعين كل القوى التي تنادي بالشرعية الدولية، والقوى المؤيدة للحق الفلسطيني في العودة بموجب القرار 194.
إن استمرار الخطاب الرمادي الذي تتبعه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متعدد التأويل والتفسير، لا يرتكز إلى أسس واضحة ومتفق عليها مع الجانبين (الإسرائيلي) والفلسطيني، وهذا يفتح الطريق أمام اليهود الصهاينة وصهاينة الأغيار لإملاء شروطهم على الفلسطينيين بإجراء تعديلات محتملة على حدود العاصمة الفلسطينية المستقبلية في حال قبل الجانب الصهيوني- بأفضل السيناريوهات - مبدأ الانسحاب من القدس، بينما أصر من الناحية الأخرى على التمسك بالكتل الاستيطانية الكبيرة المقامة حول القدس عند بحث مكانة المدينة مستقبلاً، وهو الأمر الذي ان كافياً وكفيلاً بالماضي لإطلاق شعلة الانتفاضة الثانية عام 2000، بعد فشل مباحثات (كامب ديفيد2) حول القدس بين الجانبين .
إن الخطاب الرسمي الدولي الضبابي المضمون على هذا النحو، من شأنه أن يترك منطقياً للفلسطينيين والعرب إن توافرت الإرادة السياسية الحقيقية، هامشاً ليس بضيق للمطالبة الجدية بفتح ملف الحقوق الفلسطينية في القدس بشطريها الشرقي والغربي على نحو متكامل. إن لم يكن ذلك بدوافع سياسية وتاريخية، فليكن من باب الشعور الشعبي العربي والفلسطيني بالاستفزاز العميق الناجم عن استمرار الصهاينة بممارساتهم في القدس الشرقية.. فلا يوجد عربي في القدس يشعر أن مصيره واضح أو مضمون. مع العلم أن الأميركيين والأوروبيين يدركون تماماً أن التعامل يجري مع طرف فلسطيني يبدي المرونة والاستعداد للتنازل إلى أقصى الحدود وآخر صهيوني يزداد تعنتاً وغطرسة، الأمر الذي يجعل مهمة قيامهم بوساطة نزيهة أكثر تعقيداً حسب الادعاء. لقد لوحت القيادة الفلسطينية من حين لآخر بإمكانية اللجوء إلى حل الدولة الواحدة بدلا من خيار الدولتين كلما انقشع المزيد من الغبار عن النيات (الإسرائيلية) الحقيقية، إلا أن هذا التلويح لم يكن أكثر من تكتيك موسمي لا يخرج عن نطاق الانفعال، ورد الفعل ، ولا يبدو أن القيادة الفلسطينية تنظر إليه كخيار استراتيجي حقيقي، في هذه المرحلة على الأقل أو في المستقبل القريب.
لقد سعى أهالي مدينة القدس وما زالوا يسعون إلى التمسك بهذه المدينة المقدسة التي ضمت كنيسة المهد وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة والمسجد العمري والعديد من المساجد والكنائس والمدارس التاريخية والخوانق والتكايا والزوايا والمكتبات، والأبواب، والأسبلة، والمقابر التاريخية مثل مقبرة مأمن الله التي تضم رفات العديد من صحابة الرسول الكريم محمد(ص).
كما أطلق سكان القدس حملة جدية من أجل المطالبة بحق الفلسطينيين بممتلكاتهم وعقاراتهم وبيوتهم وأراضيهم في القدس بشطريها الشرقي والغربي لأن تلك الأملاك لها خصوصية شديدة، لكون القدس باعتراف المجتمع الدولي الصامت والعاجز والمتواطئ لا تزال مدينة محتلة من قبل العدو الصهيوني، ولا يجوز تغيير وضعيتها، وبحكم الاتفاقيات الموقعة بين اليهود الصهاينة والفلسطينيين لا سلطة فلسطينية فيها.
لقد سقط الرهان على المفاوضات التي لم تفض إلى أي حل سوى المزيد من التنازل عن أسس المشروع الوطني الفلسطيني، والحل هو التبشير الفعلي لعودة المقاومة المسلحة التي تضمن تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني على الأرض العربية في فلسطين بشكل عام والقدس بشكل خاص.