بداية يجب التفريق بين ما يسمى (نظرية المؤامرة) من حيث هي ذريعة تستخدم لتبرير سياسات أو اخفاقات ما و أسلوب تفكير وعمل ومنهجية ممارسة، لقوى كبرى عملت به في فترات توازن القوى للنظام الدولي، تحت مسمى (سياسة ما تحت الطاولة) ورسمت من خلاله المشاريع والاجندات الخفية للنيل من قوى أو دول أو جهات تعرقل أو تشكل خطراً على مشاريعها.
وبين المؤامرة التي تكشف عن نفسها في الفترة الاخيرة وعالم الاحادية القطبية ومرحلة الفراغ الجيوسياسي لعالم اليوم، حيث صارت المشاريع الخارجية والخطط والاجندات، أمراً معلناً، وقفزت الاساليب والسيناريوهات والبرامج التنفيذية الى «فوق الطاولة»!
المشهد الصاخب لما يجري حالياً في منطقة الشرق الأوسط عموماً وسورية خصوصاً، لا يحتاج الى قرارات عميقة بقدر ما هو لوحة واضحة تلخص بجملة واحدة . استهداف سورية الوطن والشعب معاً.
هذا الاستهداف الذكي الغبي بآن معاً، راهن على معطيات نفسية واجتماعية وسياسية، وأراد التسلل من بوابة عدوى الثورات العربية، وشعارات الاصلاح وحاجات المواطنين اليومية، باحثاً عن منطقة ضعف توهم أنها حقيقة تاريخية تقوم على إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية ومن السهولة صب قليل من الزيت على جمرها المتبقي تحت رماد السنين الماضية، لتشتعل نار الحقد وتحصد الاخضر واليابس من السوريين ومنجزاتهم ووحدتهم وصولاً الى استقرارهم وبالتالي تفتيتهم لصالح المشروع الصهيوأميركي!
حقيقة المؤامرة وتلك يمكن التدليل عليها من عدة زوايا فهي قائمة منذ سنين ومستمرة، ويكفي أن نعرض لاهدافها ما بعد غزو العراق وزيارة الاملاءات الشهيرة لوزير الخارجية الأميركي الى دمشق/2003/ عندما طلب من القيادة السورية وقف دعمها للمقاومة في لبنان والعراق وفلسطين وقطع علاقاتها الاستراتيجية مع طهران، والابتعاد جانباً الى موقع صغير يناسب جغرافيتها وامكاناتها وعدم التدخل في الشؤون الدولية والانصراف الى معالجات تنموية داخلية.. وجميعنا يعرف ماذا كان جواب سورية حينها وكيف انتهى اللقاء برفض تلك الاملاءات.
وبعد تصاعد أعمال المقاومة للغزو الأميركي على العراق وتحول الادارة الأميركية الى فرض العقوبات والحظر ومحاولات عزل سورية وصولاً الى زلزال الاغتيال السياسي للحريري في لبنان شباط 2005 والقرار 1559 ، كانت المؤامرة في اعتى اشكالها، وقيل حينها إن السفينة السورية جنحت وغرقت الى غير رجعة، وكان الفشل الكبير لذاك الاستهداف وكلنا يعلم أيضاً كيف خرجت سورية «الوطن والشعب» بحكمة واقتدار أبناء الوطن الواحد وقائد سفينتهم على كسر الأمواج والعودة بالسفينة الى مسارها والابحار من جديد..
وبما أن الهدف الكبير لمشروع المؤامرة القائمة هو المقاومة روحاً وجسداً، أعدت الخطط من جديد، وتحولت نحو سياسة (فكي الكماشة) وكانت حرب تموز 2006 على لبنان لضرب حزب الله من الداخل والاطباق على سورية من خاصرتيها العراقية واللبنانية، إلا أن المؤامراة سقطت مرة أخرى، والممتع في كل مرة أن عوامل الاخفاق للمشروع الصهيوني -الأميركي تتحول الى رصيد قوة ومنعة لصالح الجانب المقاوم ويزداد تمسكاً ومنعة واقتداراً!
والفضل في ذلك كله يعود الى خيار استهداف الوطن والشعب وهذا مكمن الغباء في مؤامراتهم ومرده أنهم يعتقدون بأن الشعب السوري لا دور له ولا مكانة وهو مجرد أرقام أو قطعان تحركها النظم كما تشاء ، لدرجة أنه غارق في غيبوبة سياسية كبرى، حتى وصل الأمر بهم الى درجة استغباء هذا الشعب واعتباره مصدراً متلقياً منفعلاً، جاهلاً لما يحصل من تطورات وكانت اساليبهم الغبية في الكذب عليه وتضليله بالتكنولوجيا والميديا والاعلام الخادع والفتاوى الدينية الحاقدة، هذا ما رد لهم خنجرهم المسموم وعلى صدورهم مباشرة.
واستمراراً لما دأب عليه مشروع المؤامرة القذرة، بات جميع افراد الشعب السوري على معرفة بالخطط الشيطانية (البندرية) و(القرضاوية) و(الفيلتمانية) والعبرية العربية وغيرها، حتى إن من يسمون أنفسهم بالمعارضة لم يترددوا في الكشف عن نوايا المخطط وأهداف ما يسمونه حالياً صرعة الثورات أو التغيير، وهي نفس الاهداف المعلنة في اسرائيل وواشنطن من حيث اسقاط المقاومة والسلاح وايران وتقسيم البلاد وصولاً الى الاستسلام لاسرائيل ويمكن العودة الى ما ينشر في الموقع والصحف الاسرائيلية عن تقسيم جديد للشرق الأوسط أو إحياء سايكس بيكو بعد الاطباق على سورية.
إذاً وبكل بساطة حقيقة المؤامرة واضحة لا ريب فيها إلا أن الجميل هذه المرة أو في هذه الجولة من المكاسرة الصاخبة، أنها وعلى عكس المعتاد حملت لنا(الدسم) في (السم) وهذا طبعاً من غير قصد، ومن استخدام الصواريخ الغبية ظناً منهم أنها ذكية.
ففي مشروعهم القاتل طائفياً وإثنياً واستهدافهم لوحدة الوطن تحت يافطة الاصلاح والتنمية والديمقراطية عجلوا كثيراً وزادوا جرعة الوعي والتلاحم والتماسك، وفجروا ينابيع الحب والحراك الديمقراطي الذي لم يغب يوماً عن سلوك المواطن السوري وتحولت مطالب الاستهداف باعتبارها شعارات براقة في الحرية والوحدة الوطنية والتغيير الى ثورة حقيقية فرضت نفسها عليهم قبل أن يؤطروها ويركبوا موجتها، وسدت ذرائع الاستهداف بشكل كبير، وها هو الشعب السوري يداً واحدة وحراكاً ديمقراطياً وتنمية حقيقية وثورة صاخبة تقض مضاجع الفاسدين والطامعين والمتآمرين على وحدة بلادهم وانجازاتهم وبسرعة قصوى تمت عملية الفرز وانضم الشعب بكل فئاته وخصوصاً الشباب الى قيادته وتحولت نداءاتهم للجيوش أن تنضم الى الثوار في الساحات الى تعبئة معاكسة للشعب الثائر في خندق واحد مع جيشه وقائده لمواجهة المشروع القذر!
وبنفس الادوات التي استخدموها في الكذب والتضليل والابهار الاعلامي والفبركات وإمكانات التواصل الالكتروني، تمكن الشباب السوري من توظيف هذه الوسائل والادوات ليعبر بها عن نفسه ويكشف مخططاتهم ويلقنهم درساً أوقع فيهم مقتلاً وبدا التخبط والارباك على العملاء المشرفين على تلك الوسائل.
وبما أن المعركة مستمرة وهي لم تنته بعد بل يمكن اعتبارها قد انتقلت الى حالة متقدمة، فإن أبناء الشعب السوري على يقين واستعداد لهزيمة المؤامرة البشعة، ودفنها تحت أقدام السوريين الابطال مهما كلف الأمر من تضحيات ودماء حقيقة طاهرة تروي تراب الوطن، لا دماء - السائل الاحمر- الذي يستخدمونه في مشاهد سينمائية بدائية للايحاء للعالم بحجم العنف الأمر الذي انكشف سريعاً وبجهود الشباب السوري الداعي، ولا أجدني بعيداً عما يدور في قلب وعقل كل سوري « إن ينصركم الله فلا غالب لكم..»