[b]لمفهوم الهوية أشكال متعددة ويستخدم في ظروف شديدة الاختلاف كما في تحليل تكوين شخصية الطفل أو في موقف دفاع الشعوب وقت المعارك الحربية،
فالفرد ينشأ نشأة اجتماعية ويشيد هويته على مراحل خلال صيرورة من الولادة وحتى سن النضج، فالصورة التي يبنيها عن نفسه ومعتقداته وتمثلاته عن الذات تشكل على الدوام بنية نفسية شديدة الأهمية تسمح باختيار أفعاله وعلاقاته الاجتماعية.
في علم النفس هناك تقليد عريق من التفكير يتعلق بنمو الطفل وبتشييد هويته وبشكل الجسد بالنسبة للطفل أساس تشييد هويته فهو يكتشف نفسه عبر إدراكاته الحسية وأفعاله وكذلك من خلال الصلات مع الآخرين وفي نظرة الغير، فالطفل يوجد سلفاً حتى قبل ولادته في مخيال أبويه وخطابهما وسرعان ما يأخذ حدوداً دقيقة إلى هذا الحد أو ذاك عبر الجنوسة المتمناة والاسم المنتقى الأمر الذي سيكسبه فرديته ويضعه ضمن سلالة وضمن مجمل الطباع لهذا تتأسس الهوية على العلاقات الوجدانية للفرد وللآخر وهي صراعية بشكل جوهري، إن فهم الهوية إذاً هو توضيح متجدد للعمليات التي تنظم تشييدها التاريخي وإعادة النظر بها وفقدانها أو استعادتها، وهكذا يمكن تمييز ثلاثة أطوار بدءاً من الطفولة وحتى البلوغ وهي تشكل الفرد الأولي خلال السنوات الثلاث الأولى من الطفولة ثم تشكل الفرد «الفئوي» حتى البلوغ وأخيراً تشكل الفرد «المشخصن» بدءاً من البلوغ، يبدأ الفرد خلال الطفولة بالانتباه لوجوده ضمن عملية صهر وفصل تتجسد على التتالي في الصلات مع أمه وعائلته والزمر والمجتمع.
كان البعد الاجتماعي لتشييد الهوية موضوعاً لعدد كبير من الأبحاث فقد أدخل وليم جيمس عام 1890 لأول مرة فصلاً يتناول الذات في كتاب عن علم النفس وخلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين قال عالم الاجتماع جورج هربوت ميد بوجود رابط بين النشاط الفردي والزمرة. يستند علم النفس المعاصر تحديداً إلى أبحاث إريك إريكسون الذي زعم وجود شعور بالتمايز الفردي وميل نحو التكون الاجتماعي عند كل الأفراد، وقد أعد أيضاً تحقيباً لتشييد الهوية الفردية يتم الانتقال فيه عبر «أزمات الهوية» كأزمة المراهقة لكن بالتحديد بدءاً من عقد السبعينيات تكاثرت الدراسات حول الدور الحاسم للعلاقات الاجتماعية في حالة الفرد النفسية.
تشكل الذات الجانب الجواني للهوية الفردية وهي تتشيد ضمن العلاقة مع المحيط ومع الآخرين في صميم زمر ضيقة أو واسعة تعاقدية أو مفروضة تتميز المجتمعات المعاصرة بتزايد دائم لزمر الانتماء المتعددة الحقيقية أو الرمزية التي ينضم إليها الأفراد.
الفصل الثاني يتناول الهوية الشخصية والمعايير الاجتماعية، والفصل الثالث يبحث الهوية وتشييد الذات من خلال عناوين البحث عن الذات، درب الآلام، والوشم والحزم هل الأمر ارتجال هوياتي؟ حيث يعتبر الباحث أن الشارات الجسدية تشكل في المجتمعات موضوعاً جذاباً ويتساءل علام يدل هذا الشغف الملاحظ اليوم بخصوص الوشم والحزم والوسم وكل الأساليب في رسم وصياغة وارتجال الفرد لجسده.
فالوشم مثلاً شارة محدثة على الجلد بواسطة حقن مادة ملونة في الأدمة فهو نهائي ويخص الرجال والنساء ويتم أساساً على كامل الجسم، ويعرج الباحث على «البانك» وهي حركة شبابية ظهرت في أواخر السبعينيات في لندن تتصف بموسيقا روك صاخية ومواقف تحد وتخريم للجسد وأشكال غير مألوفة للشعر والتذويق واللباس، حيث اقترن الوشم برغبة في السخرية من الأعراف الاجتماعية والمظاهر البدنية والملبسية قاموا بثقب الجسد بالدبابيس وعلقوا رموزاً دينية.
يتعرض الكتاب إلى لعبة كرة القدم بوصفها الحماسة المشجعة وتأكيد الهويات الجماعية ويتساءل في بداية البحث هل يجب الإشارة إلى أن المباريات الرياضية وخاصة التي يتواجه فيها فريقان تقدم أرضية مفضلة لإعلان الانتماءات ولسخط العداوات الجماعية؟ أما كرة القدم التي أصبحت خلال ما يزيد على قرن إحدى المراجع العامة لثقافة عالمية ذكورية فهي حالة لافتة بهذا الخصوص. هناك بطولات محلية وبين الطوائف المهنية في كأس العالم كل مواجهات تقدم للمشاهدين دعماً لترميز أحد الجوانب المتعلقة بهويتهم بتشييد الشعور بالانتماء، كذلك يعتبر أن كرة القدم ليست فقط «ماكينة» لتصنيف الانتماءات فهي تمارس هنا وهناك بدءاً من توزيع أساسي واحد وتتبع لأشكال مختلفة تعبر أيضاً عن الفرادات المحلية وتلعب بناء على ذلك دوراً إنجازياً في تأكيد الهويات.
تأتي خاتمة الكتاب في فصل بعنوان الهوية كوسيلة للفعل، حيث اتسمت جميع المجتمعات المعاصرة باعتلاء الفرد على عرشه الخاص وتشييده لهويته لقد أصبحت الهوية التي كانت تحدد تقليدياً عن طريق المؤسسات وسيلة مرتجلة تعلي من شأنه الجوانب الدينية أو المهنية أو الإثنية أو الجنوسية تبعاً للظروف ويأتي بمثال رواية بعنوان «رحلة عنوانها الهند» الكاتب الهندي فيديادهار سواراجبرازادنبول الحائز جائزة نوبل في الآداب، حيث تحكي عن «بابو» مضارب مالي غني يعيش في بومباي اندمج في الثقافة الاقتصادية المهيمنة وهي طريقة في العيش والتصرف والتفكير يتقاسمها رجال الأعمال ممن لهم تأثير على الأسواق العابرة للقوميات، كذلك الموظفون العالميون وقسم مهم من رجال السياسة على كوكب الأرض، بابو رجل المال الناجح على صلة مع أمثاله من آسيويين وأمريكيين وأوروبيين يشاركونه هذه الثقافة وما يصاحبها من سلوكيات، في الوقت ذاته اندمج بابو وعائلته في الجالية الجانيية، تجلى هذا الانتماء بشكل رئيسي عبر مراعاة الممارسات واحترام القيم الدينية وعلى الرغم من أنه ينتمي بسهولة إلى ثقافة الأعمال من النمط الغربي فقد أحس رجل المال هذا أنه هندي بالكامل (حين تكون في فترة الأعمال تكون لي صورة الإلهة لاخشمي وفي مناسبات أخرى تكون ساراسواتي ابن لاخشمي هي إلهة الثروة، وساراسواتي إلهة الحكمة وحين أفكر بأطفال مدن الصفيح علي أن أفكر بالله ؟ لماذا أكون هنا وليس هناك في مدن الصفيح؟ لا أجد إجابة عن هذه الأسئلة في أي مكان ضمن التعليم المنظم الذي علموني إياه في المدرسة والجامعة).
يشير هذا المثال إلى أن سلسلة الهوية حاسمة أياً كان المجتمع الذي ننظر إليه وعدا ذلك سنفهم بسهولة أن تحديد الهوية الفردية أو الجماعية يكمن في صميم تفهم التحولات الاجتماعية المعاصرة.