تعثرت المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» التي ترفض تجميد الاستيطان في الضفة الغربية وأخفقت عملية التسوية برمتها لأن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريدان حل الصراع بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة حتى حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية
.
أما إسرائيل فتمني النفس بإيجاد «وطن بديل» للفلسطينيين في الأردن لتجعل من القدس عاصمة موحدة لها ولتمحو أي حديث عن حدود نهائية وإلغاء حق العودة وهي ثلاثة أمور تضغط الإدارة الأميركية من أجل تغييبها عن أي مفاوضات قادمة في الوقت الذي تلهث فيه وزارة الخارجية الإسرائيلية لترويج فكرة «الوطن البديل» في الغرب عبر حملة علاقات عامة عبر سفاراتها وأصدقاء إسرائيل هناك وتجنيد طلاب وأكاديميين بالمال وكذلك نواب غربيون من أمثال غيرت ويلدرز النائب الهولندي عن اليمين المتطرف وهنزكريستيان ستراش زعيم الحزب اليميني النمساوي المتطرف وغيرهم.
ويشعر الكيان الصهيوني بقلق متزايد من انضمام مزيد من دول أميركا اللاتينية إلى البرازيل والأرجنتين في الاعتراف بالدولة الفلسطينية ولاسيما بعد أن أعربت الأوروغواي عن رغبتها رسمياً في الاعتراف بها كما يخشى قيام الإكوادور والسلفادور والمكسيك باللحاق بها وخاصة بعد أن أصدر الاتحاد الأوروبي الاثنين 13 الجاري بياناً جدد فيه تأكيده في الاجتماع الأوروبي لوزراء الخارجية لبحث مأزق السلام في بروكسل استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 في الوقت المناسب.
وكانت أكثر من مئة دولة اعترفت بإعلان استقلال الدولة الفلسطينية الذي أعلنته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 ومعظم الدول التي اعترفت بها هي دول إسلامية أو إفريقية أو من أوروبا الشرقية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي إضافة إلى الهند والصين.
ومع إعلان دول أميركية لاتينية اعترافها بالدولة الفلسطينية عبر وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك عن خشية إسرائيل من تصاعد نزع الشرعية عنها وخاصة بعد تبلور خطة السلطة الفلسطينية ب «حل بديل» بعد فشل المفاوضات في الوقت الذي تسوء فيه صورة إسرائيل لدى الشعوب الأوروبية بعد الاعتداءات على سفن مساعدات لقطاع غزة المحاصر واعتداءات إسرائيل المستمرة عليه، و«الحل البديل» يكون بتوطيد اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية.
وأوردت وكالات أنباء أن السلطة الفلسطينية طلبت من تركيا بذل جهود لدى الدول التي لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية «الحرة المستقلة على حدود 1967» لحثها على الاعتراف بها وهي مرحلة تمهيدية لتهيئة الأجواء قبل التوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بها تحت مظلة القانون الدولي.
فبعد إعلان البرازيل رسمياً اعترافها بها «على حدود 1967» وكذلك الأرجنتين طالبت تركيا باعتراف دولي بها وقال كبير مستشاري الرئيس التركي أرشاد هورمزلو: «معظم مشكلات المنطقة منشؤها القضية الفلسطينية ومن هنا يهمنا أن يكون للفلسطينيين الحق الكامل في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ونتطلع إلى اعتراف كل البلدان بها لينعم الفلسطينيون بالأمن والأمان».
والاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى الآن يظل عملاً سياسياً يغلب عليه الطابع الأخلاقي ويفسر اهتمام الدول التي اعترفت بها بهذه المنطقة التي عانت من الحروب التي أشعلتها إسرائيل والمجازر التي ارتكبتها لاحتلال الأراضي العربية وطرد سكانها منها لتوطين مهاجرين يهود بدلاً منهم إضافة إلى التوتر في المنطقة وانسداد آفاق حل الصراع الذي قد ينفجر يوماً ليسبب حروباً قد تتوسع وتهدد استقرار العالم.
وقد عقد قسم الشرق الأوسط لنادي فالداي في مالطا مؤتمر «سيناريوهات وأشكال جديدة للتسوية» في 9 و 10 الشهر الجاري برعاية وكالة نوفوستي ومعهد الاستشراق التابع لأكاديمة العلوم السياسية وقد عبر رئيس المجلس الفدرالي الروسي ميخائيل مارغيلوف المشارك في المؤتمر عن أن «التوتر في الشرق الأوسط يحمل طابعاً منهجياً وهو الأمر الذي يوفر تربة مناسبة لنمو الإرهاب وهذا يفسر اهتمام المجتمع الدولي بهذه المنطقة».
وقد لا تجد خطة «الحل البديل» التي دفعت بلداناً في أميركا اللاتينية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية تطبيقاً لها في الوقت الحاضر ما دامت إسرائيل تسعى حثيثاً وراء أهداف المشروع الصهيوني التوسعي وتجد من ينحاز إليها ويتبنى وجهات النظر الإسرائيلية.
فمجموعة «الحكماء الدوليين» مثلاً صحيح أنها تتحدث عن بديهيات حقوق الإنسان ومطالباتها برفع حصار غزة وإنهاء الاحتلال وإدانة بناء المستوطنات لكنها لا تنوي الاعتراف بدولة فلسطينية بل جعلت من ملفات التفاوض على المياه والقدس واللاجئين أموراً ثانوية يجب تأجيلها إلى ما بعد الاتفاق على قضايا الأمن والحدود.
كما أن الدوائر الأميركية تهيمن على الأمم المتحدة إضافة إلى الضغط الإمبريالي للولايات المتحدة الذي لا يزال قوياً على دول كثيرة إضافة لاستخدامها الفيتو بمواجهة أي قرار لا ترغب فيه هي وإسرائيل، ويرجع احتكاك دول أميركا اللاتينية مع القضية الفلسطينية إلى عام 1947 عندما صوتت 20 دولة منها لمصلحة قرار الجمعية العامة 181/1947 القاضي بتقسيم فلسطين حيث دفعت الصهيونية آنذاك رشاوى لمندوبي الأمم المتحدة ولم تكن تلك الدول تعرف حقيقة القضية الفلسطينية بسبب بعدها الجغرافي وعدم وجود علاقات لها مع الدول العربية .
وفي أميركا اللاتينية اليوم ثلاث دول في حالة ثورة اجتماعية هي فنزويلا والاكوادور وبوليفيا، أما البرازيل والارجنتين والأرغواي ونيكاراغوا، فهي في موقف وسط من البلدان المتحالفة مع واشنطن مثل كولومبيا والبيرو والمكسيك وتشيلي وهندوراس وبنما.