كثيراً ما يصاب الأهل بالإحراج الشديد لدى سؤال الأولاد عن كيفية وجودهم على هذه الدنيا أو أسباب الاختلاف بينهم وبين الإناث من ناحية الشكل وخاصة الجهاز التناسلي وغالباً ما يكون رد الأهل ممزوجاً بالخجل والعصبية والرد العشوائي مثلاً/ عيب- أو عندما تكبر تعرف-
أو من الله هذا الأمر أو غير ذلك من الحجج/ ويبقى هذا السؤال مخزناً في ذاكرة هذا الطفل حتى البلوغ ومعرفة الحقيقة إما من خلال من هم أكبر سناً أو من المناهج الدراسية أو من خلال الأفلام الإباحية والأنترنت وغير ذلك وكل هذه الأمور تجعل الأطفال يخضعون لتربية جنسية غالباً ما تكون مشوهة بل تكون في كثير من الأحيان مغلوطة بأفكار مستوردة ليست من قيمنا الاجتماعية أو عاداتنا أو حتى شرائعنا الدينية.
ونادراً ما نجد عائلة تدرك خطورة هذا الموضوع وتعمل على إفهام الأطفال الحقيقة قبل سماعها من أحد ولكن بطريقة ممنهجة ومهذبة.
ولكي نسلط الضوء بشكل أكبر حول هذا الموضوع التقينا بالطبيب النفسي مصطفى شحادة الذي تحدث عن هذا الموضوع بإسهاب حيث نوه الدكتور شحادة إلى أهمية إيجاد ثقافة جنسية منظمة تتيح للأطفال المعرفة بهذه الأمور دون شوائب سلبية تجعل معها الأطفال هاجسهم وتفكيرهم المعرفة المتواصلة لهذه الأمور على حساب دروسهم وحياتهم اليومية المعتادة وأشار الدكتور مصطفى بأن كافة الإحصائيات تعتبر المصدر الأول للمعلومات التي يحصل عليها الأطفال حول العلاقة الجنسية تأتي من خارج الأسرة. وتأثير هذا النوع من التربية التجاهلية يتجاوز حدود التربية الجنسية إلى كافة العلاقات الاجتماعية. عندما يبحث الطفل عن معلومات مهمة حول حياته خارج نطاق الأسرة بالدرجة الأولى فهو يقع فريسة معلومات خاطئة ربما تدمر جزءاً مهماً من أحد أهم جوانب حياته كإنسان بالغ.
أما الدكتورة شيماء محمد علي وهي باحثة في الشؤؤن التربوية والاجتماعية ذكرت بأن التربية الجنسية هي الضحية الأولى للمجتمعات المحافظة التي تتعامل مع هذا الموضوع بتجاهل تام على مبدأ النعامة. طالما أن الجنس لا يدخل في نطاق الأحاديث اليومية فليس هناك داع للخوف. أثناء هذا الوقت يكتشف الطفل عند اقترابه من البلوغ تغيرات مهمة في تكوينه الجسدي يبحث عن تفسيرات لها خارج الأسرة لعدم قدرته على تناول هذا الموضوع مع أبويه.
والأطفال على العكس من الكبار يصدقون بسرعة كل ما يقال لهم، ثقتهم بالآخرين نابعة عن براءة يمكن أن تكون قاتلة في مجتمعات تكثر فيها المعلومات المغلوطة.
عند الصبية تبدأ المشكلات عند الاقتراب من سن البلوغ. فمن المعلوم أن البلوغ يأتي مع فارق زمني بين طفل وآخر، هذا التغير المهم يخلق تفاوتاً في فهم التكوين الجنسي. هذا التفاوت يجعل الطفل ضحية ما يرويه له رفاقه ممن سبقوه في هذا الطريق وهم في كل الأحوال لايعلمون أكثر منه بكثير سوى بعض الأقاويل مما سمعوه خلسة من الكبار.
عند الفتيات المشكلة أكبر كون الطفلة غالباً ما تقع ضحية ارهاب الأهل من الاقتراب من الذكور، الكبت عند الفتيات يجعلهن ينطوين على أنفسهن ويبتعدن عن كل مراكز الخطر.
بالنتيجة تعيش الطفلة حالة ذنب دائم من كونها فتاة. لا تستطيع أن تحتمل تكوينها الجسدي ولا تستطيع التعايش معه.
أما الطبيب النفسي هشام عبد الساتر قال: إن التربية الجنسية لا تحتاج إلى فن، أو خبرة أكثر من صراحة وجرأة. خوف الأهل من تناول هذه الأحاديث مع أطفالهم غير مبرر. وشرح التغيرات الجسدية التي ستطرأ قبل حدوثها يساعد الطفل على تقبلها أكثر . كما أن تقديم الأمثلة حول العلاقات بين البالغين من غير باب الذنب والخطيئة يجعل الطفل / والطفلة/ يتعامل مع الأمر ببساطة. والأهم من كل هذا التحدث مع الطفل حول هذه الأمور يجعله يلجأ لأهله أولاً ودائماً عندما يبحث عن معلومات حول أي مسألة تخص الجنس. وهذا بحد ذاته يسمح بمراقبة غير تطفلية لما يمكن أن يقوم به الطفل عندما يصل إلى سن البلوغ.
وحتى نغني موضوعنا أكثر طرحنا هذا السؤال على عدد من الأهالي حيث ذكر لنا السيد عمر بأن مجرد طرح هذه الأمور على الأطفال شيء معيب وحرام وأضاف جميعنا علمنا بهذه الأمور عندما كبرنا ولم نتأثر بأي شيء آخر ولم نقدم على الخطيئة وكذلك الأمر ما سيكون عليه أطفالنا.
أما السيد عباس كان له رأي آخر حيث تحدث قائلاً: نحن تربينا على عدم الدراية والمعرفة بهذه الأمور مع إنني أذكر بأني عندما كنت طفلاًِ بقيت هذه الأمور عالقة في ذهني تماماً وأذكر بأنني قضيت وقتاً طويلاً بحثاً عن خفايا هذه الأمور وكنت أصاب بصدمة حين تمرر لي معلومة ونظراً لتعدد المصادر فقد تكونت لدي عدة قناعات ولم أستدركها إلا عندما تقدمت بالعمر ولاحقاً عندما تزوجت ولذلك لن أجعل أطفالي يعيشون هذه الحالة، الآن لايزال أطفالي بعمر صغير ولكنني قررت أن أكون صريحاً جداً مع أطفالي عند سؤالهم عن هذا الموضوع وعندما أشعر بأنهم أصبحوا بمرحلة إدراك تتيح لي الفرصة أن أتحدث لهم عن هذا الأمر سأفعل ذلك دون تردد.
أما السيدة عائشة فقد أشارت إلى أنها أربكت حينما سألها طفلها كيف أصبح موجوداً على هذه الدنيا وأضافت: في البداية غيرت الموضوع وبدأت صراعاً بيني وبين نفسي هل أكذب عليه أو أقول له الصراحة وبعد ذلك بحثت الأمر مع زوجي، قررنا أن نقول له شيء بصراحة ولكن بتصرف حيال بعض الأمور وأذكر بأنني بدأت أشرح له لماذا خلق الله الذكر والأنثى وبماذا ميزهما ثم لاحقاً دخلت بشرح مطول عن التكاثر النباتي والحيواني إلى أن وصلت إلى التكاثر عند البشر وعملت على أن يكون هذا الأمر على مراحل وبشكل يومي وعندما شعرت بأن طفلي قد استوعب ذلك بدأت بمرحلة الحديث عن الجنس وكنت أردف موضوع العملية الجنسية بالحصر على أن الموضوع يجب أن يكون بأدب واحترام وشرحت له بأن كل طريقة غير شرعية ولا مهذبة هي حيوانية مع الشرح له كيف الحيوانات تتعاشر جنسياً بطريقة عشوائية وبآخر المطاف أذكر بأنني كنت أقول له بأن كل عملية جنسية غير شرعية تقوم بها سوف تكون عملية مماثلة ستحصل لأختك وبالمحصلة وجدت بأن طفلي أصبح على دراية كاملة بهذه الأمور والحمد لله دون نتائج سلبية ولاحقاً تعاملت مع ابنتي بنفس الطريقة.
ويشير الأستاذ عدنان وهو مدرس بإحدى المؤسسات التربوية بأنه يستغرب جداً كيف أن الأهل يتعاملون مع أولادهم بالكذب حول هذا الموضوع وأضاف قائلاً: ذات مرة طرحت هذا الأمر مع طلابي ووجدت بأن كل طالب لديه رواية مختلفة عن الاخر وبصراحة هذا الأمر صعقني خاصة عندما وجدت بأن معظم الطلاب قد علموا بهذه الأمور من مقاطع إباحية على جوالات طلاب آخرين إما راسبين وغير انضباطيين وإما من هم أكبر منهم سناً لذلك عملت بجهد على شرح هذا الأمر بطريقة علمية لذلك أنا أدعو إلى إيجاد حل لهذا الأمر من خلال المناهج الدراسية على أن يكون الحل بطريقة تتناسب مع عاداتنا وقيمنا وليس بطريقة المناهج الغربية التي تقرن المعرفة بالبحث على التجربة.
وبالختام يجمع معظم من التقيناهم على ضرورة تنظيم حالة معرفية أكاديمية حيال التربية الجنسية ولكن ضمن شروط موضوعية خاصة بأن وسائل المعرفة باتت في عصرنا هذا كثيرة وكبيرة وغير محمودة العواقب فاليوم لا يمتلك أحد السيطرة على تنظيم هذه الوسائل خاصة بوجود الأنترنت والموبايلات لذلك الحل يبدأ برأي الكثيرين بالأسرة أولاً ولاحقاً بالمؤسسات التربوية وغيرها خاصة وأن طريقة التفاحة التي انقسمت على قسمين ذكر وأنثى باتت قصة قديمة ولم تعد تصلح لتنطلي على أطفالنا.