تحت عنوان ( دمشق تنتقل إلى مرحلة الهجوم ) كتب المذيع السابق في محطة الجزيرة سامي كليب مقالا مثيرا في جريدة السفير اللبنانية كشف فيه النقاب عن ان السلطات السورية نجحت في نصب افخاخ للمسلحين وانها كانت وراء افتعال الانشقاق في الجيش في حماه وانها صادرت معظم هواتف الثريا التي كانت تستعمل لتمرير الاتصالات لمحطة الجزيرة
وسامي كليب كان من ابرز الذين غادروا محطة الجزيرة احتجاجا على مواقفها وسبقته زوجته مذيعة الجزيرة لونة الشبل التي اتهمت جماعة الاخوان بالسيطرة على المحطة وقال كليب في مقاله :لم يسقط أي قتيل يوم الجمعة الماضي في كل أنحاء سوريا. هذا ما قالته مصادر أمنية دقيقة وموثوقة. كانت جمعة «التدخل الدولي» الأقل خطراً وشكلت بالتالي فشلاً ذريعاً لمنظميها. أثبت الشعب السوري، بمعارضي النظام والمؤيدين له، انه أكثر عروبة مما اعتقد الأطلسيون،فانقسمت المعارضة بين داعم للتدخل على أساس أن تجربة ليبيا نجحت وانه يجب حرمان النظام من عامل الوقت، وبين قائل بأن أمثلة التدخل في الوطن العربي أدت إما إلى الدمار والتفتيت (العراق) أو إلى التقسيم (السودان) أو إلى التجاهل (الصومال) أو إلى حروب أهلية متتالية لبنان واليمن
وقال كليب : مرّ يوم الجمعة ومن قبله شهر رمضان بأقل مما توقع كثيرون. وقبل هذا وذاك لم يقع النظام في فخ حماه. تنفس أهل النظام الصعداء. يتضح أن الخيار الأمني قد بدأ يكسر جوهر المعادلة الإقليمية والدولية التي كانت تفترض أن الرئيس بشار الأسد سيسقط بعد شهرين أو أقل من ذلك.كان طبيعياً من وجهة نظر النظام، أن تقرر دمشق متى وكيف تستقبل الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، وان تفرض على هذا الدبلوماسي والقانوني العريق أن يأتي من خلال منصبه ومن دون شروط أو مبادرات مسبقة، لا أن يكون مرسلاً من قبل وزراء الخارجية العرب أو من قبل مبعوثي الإدارة الأميركية إلى المنطقة، وفي مقدمهم جيفري فيلتمان، ولا أن يأتي بعد أن يستقبل معارضين سوريين عن «طريق الخطأ» قبل ساعات من توجهه إلى دمشق، كما حصل عندما قررت دمشق إرجاء زيارته
واضاف كليب : أسباب استعادة المعنويات كثيرة، وأبرزها أمني. خرج الجيش وقوات الأمن من ضبابية الشهرين الأولين. انتقل الامنيون من مرحلة صد التظاهرات ورد الضربات إلى مرحلة التخطيط الدقيق. عادوا يتقنون تنويع الإستراتيجية الأمنية. وضعوا روزنامة دقيقة لضرباتهم الوقائية أو الاستئصالية. نصبوا أفخاخاً ناجحة، منها مثلاً كيف اصطنع الجيش انه انشق على نفسه في حماه، فتسنى له بذلك القبض على الكثير من قادة التحركات المناهضة والمسلحين والإسلاميين. استعادت أجهزة الاستخبارات دورها وسمعتها التي كادت تضيع في الشهرين الأولين. نجحت في إلقاء القبض على مجموعات خطيرة، وكشفت خيوطاً مهمة لجهة ارتباطاتها. (سمع وزير الدفاع اللبناني فايز غصن توضيحات بهذا الشأن). تمّ العثور على معظم هواتف الثريا وأجهزة المعلوماتية للبث الفضائي (آربيغان). نجحت كل هذه القوات في القبض على فارين من الجيش، واستسلم البعض الآخر معترفاً بأنه تمّ التغرير به. يقال إن عيوناً استخباراتية زرعت في بعض صفوف المعارضة. بعث بعض رموز المعارضة في الخارج إشارات تدلّ على رغبتهم باستئناف الحوار. أعرب البعض الآخر عن استيائه من لجوء البعض إلى استخدام السلاح. كل ذلك قد يسمح لاحقاً في تصنيف المعارضة، بينها ما هو قابل للحوار، وبينها ما لا يمكن الحوار معه، وثالثها مرتبط بالخارج. يقال إن خيوطاً تمّ نسجها مع الطرف الأول. تلعب إيران دوراً جيداً في هذا المجال
كل ما تقدم عزز المعنويات الأمنية والاستخباراتية السورية. ولكن البؤر لا تزال قائمة. حمص مثال خطير على ما يجري: اقتتال مذهبي. ذبح على الهوية بعد تعرّض باص لكمين. يروي القنصل التركي الذي ذهب لاستعادة جثة سائق شاحنة تركي قتل في منطقة الرستن، انه وجد دولة داخل الدولة. شاهد مسلحين يقطعون الطرقات ويسيطرون على المناطق من دون وجود للدولة ورموزها. هم منعوا حتى سيارة إسعاف رسمية من تسلم الجثة وأصروا على أن يكون القنصل الوحيد الذي يمكنه الدخول للمستشفى.ثم أن التنسيقيات أفادت هي الأخرى من الوقت. صارت أكثر تنظيماً. باتت تعرف المدسوسين. قسَّمت عملها إلى مجموعات لا تعرف عن بعضها البعض الكثير. صارت تتفق على كلمات السر عبر آلية دقيقة. وضعت إستراتيجية خاصة للتصوير وبث الصور
واضاف كليب : الشكوك السورية الكبيرة حيال قطر، جاءت بعد فترة وجيزة على زيارة الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى إيران. لا تنفي الأوساط الدبلوماسية المقربة من الدوحة في القاهرة، أن الزيارة القطرية إلى طهران لم تكن ناجحة. تكاد هذه الأوساط تكون جازمة في كشفها أن السلطات الإيرانية قالت للشيخ حمد «إن سوريا خط أحمر»، و«إننا إذ ننصح حلفاءنا وأشقاءنا السوريين بالإصلاح وتسريع وتيرته، فنرجو ألا يفهم الأمر على أنه تغيير في استراتيجيتنا، التي تستند في أحد أهم مفاصلها إلى التحالف الاستراتيجي العميق مع النظام السوري ومع شخص الرئيس بشار الأسد».شاءت المصادفة، أو أريد لها أن تشاء، ان تكون زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان متزامنة مع اجتماع وزراء الخارجية العرب، ومع ارتفاع حرارة القضية الفلسطينية على مشارف طرح استحقاق عضويتها في الأمم المتحدة قريباً
المعادلة واضحة في القاهرة. اردوغان يساهم حالياً في نشر الدرع الصاروخي الأطلسي في عقر الشرق الأوسط وعلى أبواب دمشق وإيران. المعارضة التركية استعادت المبادرة. حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض يشنّ حملة تشكيك في سياسة اردوغان في المنطقة وخاصة موقفه من إسرائيل. وفي الوقت نفسه، أبرز المقاتلون الأكراد مخالبهم مجدداً.
التوتير مع إسرائيل، والرحلة الانسانية الى الصومال، لم تكف لتوفير غطاء لأردوغان. كان لا بدّ من رحلة إلى مصر. القاهرة هي عاصمة التحولات العربية. هي حاضنة الأزهر الشريف، وهي العمق السني. وهي قبل هذا وذاك المقياس الأهم لمستقبل «الإخوان المسلمين» في المنطقة.إيران تقاربت مع السلطات المصرية الجديدة. جاء رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علي بروجردي قبل فترة إلى القاهرة للقاء المسؤولين المصريين ومسؤولي جامعة الدول العربية. سبقته وأعقبته اتصالات كثيرة بقي جزء منها بعيداً عن الأضواء. تحركت الآلة الخليجية. فتحت أميركا عينيها على اتساعهما. كثفت إسرائيل بوادر القلق. لا بد من قطع الطريق على التمدد الإيراني. لا بد من اردوغان العثماني السلجوقي السني (على حد تعبيره هو). لا بد أيضاً من تسريع خطوات ضم الأردن والمملكة المغربية إلى مجلس التعاون الخليجي
وقال كليب : ثمة من يفكر جدياً بأن التقارب التركي المصري الخليجي سيكون السدّ المنيع أمام إيران. تعزز هذا الشعور بعدما اشتدّ عصب النظام السوري. بدت المراهنة على إسقاطه ضرباً من الوهم. إيران تتجنب حتى الآن رفع مستوى الصدام الدبلوماسي مع أنقرة والخليج. تسعى لمنع توفير غطاء عربي لأي عدوان دولي مقبل عليها أو على سوريا. لكنها لم تتردّد وعلى لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد من التلويح بالإنذار حين تمّ قرع إجراء الدرع الصاروخي الأطلسي. قال نجاد لمن يريد أن يفهم «إن تركيا هي من الدول الشقيقة وهي من أقرب أصدقائنا لكن عندما ينصب الأعداء فيها درعاً مضادة للصواريخ، ويقرون بأن ذلك موجه ضد إيران، فإن علينا أن نكون يقظين».
وقال كليب ان الاسد نجح في استعادة المبادرة ... واضاف : لعله نجح إلى حد بعيد في فرض القبضة الأمنية والحؤول دون الانزلاق إلى نقطة الخطر. لكن لا بد من انفراجات سياسية لأن الأمن وحده لا يوفر حلاً، بل قد يعقده على المدى البعيد. يقول المقربون من نبيل العربي إن بعض أعضاء الجامعة وكذلك أطرافاً أخرى بدأوا سلسلة من الاتصالات للدفع باتجاه حلول سياسية وفتح أبواب للحوار. ويقولون أيضاً إن الأسد وعد العربي بخطوات سياسية مهمة وقريبة جداً وبأن لا عودة عن الإصلاح.عاد نبيل العربي أقل تشنجاً وأكثر رغبة في منح الأسد المزيد من الوقت. ولكن المشكلة تكمن في أن الراغبين في إسقاط الأسد ليسوا جميعاً من المولعين بالإصلاحات وحقوق الإنسان. من الصعب التفكير قريباً بتراجع باراك أوباما أو نيكولا ساركوزي او رجب طيب اردوغان عن قولهم بان الأسد فقد شرعيته. ولعل هذا ما يؤكد أن المرحلة القريبة المقبلة ليست مرحلة انفراجات وإنما مرحلة تشدّد أكثر. لن تتراجع المعارضة ودول إقليمية وغربية بسهولة حيال الأسد. ثمة من يعتقد بأن التسريع في إنهاء الأزمة اليمنية عبر إقناع الرئيس علي عبد الله صالح بنقل السلطة من خلال الخطة الخليجية (التي انتعشت بعد لقاء الملك السعودي والأمير القطري في جدة)، وتكثيف الضغط العسكري لإنهاء ما بقي من حكم معمر القذافي هي مقدمات لخطوات وعقوبات وتحركات دولية أوسع ضد سوريا