رد مباشر على كلينتون ..موسكو تؤكد التزامها باتفاقياتها العسكرية مع سورية
لا تفوت واشنطن أي فرصة لتضييق الخناق على روسيا، والأمر لا يقتصر على نشر الولايات المتحدة لقواتها أو قوات الناتو بالقرب من الحدود الروسية، ونصب منظومة الدرع الصاروخية التي تهد القوة النووية الروسية الضاربة،
بل تعمل الإدارة الأميركية على إبعاد روسيا عن أسواق التسلح العالمي مستغلة لهذا الغرض ما تسميه عقوبات دولية أو أحادية ضد دول ...معينة، وبذرائع مختلفة. في هذا السياق أتت الدعوة التي وجهتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤخراً إلى روسيا وتطالبها بأن تتوقف عن تصدير الأسلحة إلى سورية، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين في روسيا.
وكانت روسيا قد انضمت إلى قراري العقوبات ضد إيران ومن ثم ليبيا وأوقفت صادرات الأسلحة إليهما، وهو ما تسبب لها بخسائر كبيرة، إضافة إلى تراجع ثقة الدول المستوردة للأسلحة الروسية بعلاقات التعاون مع روسيا، وهي خسارة أكبر من الخسارة المادية، ولا يمكن تعويضها ببساطة، لأن بناء الثقة في العلاقات التجارية بين الدول يتطلب سنوات من التعامل يثبت كل طرف فيه أهليته للثقة لدى الطرف الآخر كشريك تجاري- اقتصادي. ومن نافلة القول إن روسيا عملت جاهدة في السنوات الأخيرة كي تستعيد ثقة الجانب العربي ولاسيما بعد تخليها مطلع التسعينيات من القرن الماضي، في عهد وزير الخارجية كوزيريف، عن العراق مقابل وعود أميركية كاذبة.
بأي حال فإن روسيا قد خسرت مبالغ كبيرة نتيجة إيقافها صادات أنواع من الأسلحة إلى إيران وليبيا. حول هذه الخسائر كتب المحلل العسكري الروسي قسطنطين بوغدانوف بحثاً نشرته وكالة نوفوستي جاء فيه « لقد انضمت روسيا إلى العقوبات ضد ليبيا وإيران، وإن لم تكن خسائرها كبيرة في وقف تصدير الأسلحة إلى ليبيا، التي اعتمدت بصورة أكبر على استيراد الأسلحة من أوروبا، فإن الخسائر التي مني بها مجمع الصناعات الحربية الروسي نتيجة التزام موسكو بالعقوبات ضد إيران وتجميد صفقات تسلح لها بلغت ما يزيد على 800 مليون دولار إضافة إلى 400 مليون دولار قيمة العقوبات المالية التي دفعها الجانب الروسي لإيران بسبب تجميد صفقة تصدير منظومة (إس-300 بـم و) لإيران».
وتعليقاً على تصريحات هيلاري كلينتون الأخيرة قال، رسلان بوخوف، مدير مركز تحليلات الإستراتيجية والتقنيات لصحيفة «إزفستيا» الروسية إن «الولايات المتحدة تدفع روسيا كي توقف صادرات الأسلحة إلى سورية دون أن تقدم أي بديل بالمقابل. إنهم من جديد يحاولون حل مشاكلهم، بما في ذلك التنافس في أسواق السلاح، تحت غطاء من حسن النيات». أما إيغور كوروتتشينكو مدير مركز تحليلات أسواق التسلح العالمية فيقول: «تحتل سورية المكانة الأولى في استيراد الأسلحة الروسية بين دول الشرق الأوسط. وللفترة بين عامي 2011 و2014، وقعت موسكو ودمشق اتفاقيات بقيمة 600 مليون دولار، وهناك اتفاقيات مستقبلية في طور التحضير تتراوح قيمتها بين 3-4 مليارات دولار أميركي». ويشير كوروتتشينكو إلى أن علاقات التعاون التقني- العسكري بين موسكو ودمشق كانت ولا تزال عرضة لضغوطات أميركية وإسرائيلية، إذ «يحاول الإسرائيليون إثبات أن صادرات الأسلحة الروسية إلى سورية تخل بموازين القوى في المنطقة، وأن هذه الأسلحة قد تقع بأيدي مختلف المنظمات الإسلامية. إلا أن الأمر ليس كذلك، لأن دمشق تقدم شهادة مستخدم نهائي لهذه الأسلحة، وهذه الشهادة تعطي ضمانات بأن تُستخدم الأسلحة الروسية في صفوف الجيش السوري حصراً، كما إن الاتفاقيات تعطي روسيا الحق في التفتيش على أماكن انتشار هذه الأسلحة» حسب قول الخبير الروسي كوروتتشينكو.
وتعود صحيفة «إزفستيا» إلى الخبير بوخوف الذي أكد أنه «في حال نفذت روسيا رغبة الولايات المتحدة، فإنها لن تخسر عدة مليارات فحسب، بل ستخسر سمعتها في الشرق الأوسط نهائياً كدولة مصدرة للأسلحة مأمونة الجانب ويمكن الوثوق بها». وفيما يتعلق بالمبررات التي تسوقها واشنطن في مطالبتها موسكو عدم تزويد روسيا بالأسلحة يرى بوخوف أن «ما تصدره روسيا من أسلحة إلى سورية هي أسلحة تقنية عالية ضرورية لردع إسرائيل».
على المستوى الرسمي الروسي فقد رد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي على تصريحات كلينتون بقوله: «فيما يتعلق بالوضع الداخلي الحالي في سورية، فإنه ومع كل التعقيدات لا نرى مؤشرات فقدان السلطات للسيطرة والتحكم بتطور الأحداث بشكل عام. انطلاقاً من هذا تستمر روسيا بتعاونها مع هذا البلد، بما في ذلك في ميدان التعاون التقني-العسكري، وتنفذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها». وأضاف المسؤول الروسي: إن قرار بلاده بإيقاف أو عدم إيقاف صادرات الأسلحة إلى أي دولة في العالم يتخذ على أساس التزامات روسيا الدولية وبناءً على تقويم الوضع في هذه الدولة والمنطقة بشكل عام. «وهذا يعمم على التعاون مع سورية الموجه حصراً وبصورة رئيسية نحو تعزيز قدراتها الدفاعية».
عموماً لا يشكك أحد في أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً مناصراً للحقوق العربية، وهي آخر من يتحدث، بل لا تملك أي حق معنوي أو أخلاقي أو سياسي، في الحديث عن حماية حقوق الشعوب العربية، وجل ما تقوم به البحث عن مصالحها في ظل التعقيدات في المنطقة، وتفعل ذلك كمن يحاول الصيد في المياه العكرة، ولا يبدو أن صيدها سيكون موفقاً، لأن روسيا تدرك أن البيت الأبيض إنما يريد إبعادها وبصورة نهائية عن المنطقة العربية، وبأن الإدارة الأميركية تستغل تطورات المشهد السوري لخدمة أغراضها لا من أجل مصلحة سورية وشعبها، وهذه حقيقة يدركها أغلبية السوريين أيضاً بكل أطيافهم وتوجهاتهم