كشفت وثيقة بريطانية خطة التمرد المسلح في دير الزور و تشكيل المجلس الانتقالي للمعارضة قبل أربعة أشهرو قد سبق لوكالة أخبار الشرق الجديد أن نشرت التقر ير في النصف الثاني من شهر آذار الماضي و نحن نعيد نشرها اليوم في ضوء التطورات التي تؤركد صحة ما ورد فيها من معلومات .
قالت وثيقة بريطانية سرية نشرت في شهر آذار إن السيناتور الجمهوري الأميركي جون ماكين، كبير الأعضاء الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة بالكونغرس الأميركي والمرشح الرئاسي السابق، اتصل بمعارضين سوريين مقيمين في الولايات المتحدة وأوربا والأردن وتركيا ومصر لبحث إمكانية إنشاء "حكومة ظل" تأخذ على عاتقها تأسيس "بؤرة مسلحة" في المنطقة الشرقية من سوريا، وبشكل خاص محافظة دير الزور، تكون بمثابة رأس جسر على غرار مدينة بنغازي الليبيبة من أجل استدراج تدخل دولي في سوريا.
وبحسب الوثيقة فإن الاتصالات جرت عبر مندوبين من مكتب جون ماكين ، وليس من قبله مباشرة، وشملت معارضين من أطياف سياسية سورية مختلفة معظمها منضو في إئتلاف "إعلان دمشق" ، لكنها تتقاسم فكرة ضرورة التدخل الخارجي لإسقاط النظام السوري عبر تصعيد الأوضاع في سوريا ، واللجوء إلى السلاح إذا اقتضى الأمر ، من أجل استدراج تدخل خارجي على الطريقة الليبية.
وحسب للوثيقة الواقعة في تسع صفحات ، فإن الاتصالات شملت أعضاء في "حركة العدالة والبناء " التي تمولها وكالة المخابرات المركزية الأميركية وتتخذ من لندن مقرا لها ، و المعارض السوري الذي يحمل الجنسية الأميركية فريد الغادري ، الذي زار إسرائيل علنا ويقيم علاقات وثيقة بجهاز الموساد الإسرائيلي من خلال ضابط الموساد الاحتياط " نير بومس " و الدكتور " وائل الحافظ " رئيس الحركة الشعبية من أجل التغيير ، الذي تصفه الوثيقة بأنه "طبيب سوري من مدينة دير الزور السورية ( على الحدود العراقية) وأحد أبرز أعضاء محطة المخابرات العراقية في فرنسا حتى سقوط نظام صدام حسين".
وقالت الوثيقة ، وهي عبارة عن تقرير خاص يحمل تاريخ السادس من آذار الماضي ، إن ممثلين للسيناتور ماكين ، مرتبطين بالاستخبارات العسكرية الأميركية ، التقوا معارضين سوريين في واشنطن ولندن وباريس وعمّان واستانبول وجدّة على مدار الشهر الماضي بصفة" باحثين" ، حيث تركزت لقاءاتهم على استطلاع آراء هذه الشخصيات والقوى السياسية التي يمثلونها بشأن تكوين "مجلس وطني انتقالي سوري"على غرار "المجلس الوطني الانتقالي الليبي" الذي وقف جون مكين وراء إنشائه في بنيغازي ، يكون بمثابة "حكومة ظل" كالتي اقترحها قادة الأخوان المسلمين على لقاء اسطنبول .
وطبقا لما أورده التقرير، فإن الاتصالات التي أجراها مندوبو ماكين أسفرت عن الاتفاق على برنامج تحرك عاجل يتضمن النقاط التالية :
ـ تكليف "حركة العدالة والبناء" وأعضاء محددين آخرين في "إعلان دمشق" في الخارج والداخل بتنسيق الاتصالات من أجل ذلك ، على أن يتولى أسامة المنجد ورضوان زيادة " سكرتارية " هذه الاتصالات.
ويصف التقرير هذين الشخصين بأنهما "على علاقة وثيقة بموظفين في البنتاغون والدوائر الإسرائيلية المقربة منه ، وبأحد أعضاء البرلمان (مجلس الشعب) السوري السابقين الذي كان مسؤولا عن إرسال زيادة إلى واشنطن قبل بضع سنوات لتأمين اتصال دائم مع الدوائر الأميركية بعيدا عن أعين المخابرات السورية.
ـ إعداد "رسالة استشارية " وتوزيعها على أكبر عدد ممكن من السوريين تطلب منهم ترشيح من يرونه مناسبا لعضوية " المجلس الانتقالي" بهدف إظهار الأمر كما لو أنه مبادرة وطنية ذاتية.
ـ الإعلان عن " مجلس وطني انتقالي" في المنفى يكون له امتداد سري داخل سوريا.
ـ إنشاء بؤرة مسلحة شرقي سوريا ، وبشكل خاص في محافظة دير الزور ، اعتمادا على العشائر التي لها امتداد في العراق ، وبشكل خاص عشيرة " البقارة " التي ينتمي لها النائب السابق وعضو قيادة " إعلان دمشق" نواف البشير، وعشيرة " الجبور" التي يصفها التقرير بأنها إحدى أكبر العشائر المتوزعة في شرق سوريا وغرب العراق.
ويشير التقرير بهذا الخصوص إلى أن وضع الحدود العراقية ـ السورية مناسب الآن بالنظر لانشغال الجيش والأجهزة الأمنية السورية بضبط الوضع الداخلي.
كما ويشير إلى أن الولايات المتحدة" معنية بحركة من هذا القبيل داخل سوريا قبل دخول انسحابها من العراق تاريخ استحقاقه نهاية هذا العام وفقا للاتفاقية الأمنية المبرمة مع الحكومة العراقية".
ويقدّر التقرير ـ استنادا إلى ما جرى في تلك الاتصالات ـ حاجة "البؤرة" إلى حوالي ألف مسلح تكون كافية في المرحلة الأولى لإخراج أي تواجد أمني رسمي من المدينة وضواحيها.
ـ تزويد " البؤرة " بالسلاح عبر الوحدات العسكرية الأميركية المرابطة في قاعدة "عين الأسد" غربي العراق ، والتي يعتقد أن وحدة كوماندوز أميركية وإسرائيلية خاصة انطلقت منها في العام 2007 لجمع معلومات عن "مفاعل دير الزور" بمساعدة عملاء محليين قبل قصفه في أيلول من العام نفسه.
ـ الإعلان عن" تحرير" مدينة دير الزور من التواجد الأمني للسلطة السورية المركزية ، الأمر سيستدرج تدخلا عسكريا قويا وعنيفا من قبل الجيش السوري أو الحرس الجمهوري، وعندها يطلب "المجلس الوطني الانتقالي" الحماية الدولية ، بينما تطلب قبائل وعشائر المنطقة مساعدة من إخوانها من العشائر نفسها في العراق.
ويقول التقرير" إن نجاح جون ماكين في بنغازي الليبية ، التي زارها الشهر الماضي، جعله مأخوذا إلى حد الهوس بإمكانية تكرار التجربة في سوريا، رغم اختلاف الظروف وأرجحية استحالة تطبيقها على الواقع السوري".
إلا أنها ـ حتى في حالة فشلها ـ ستوفر للتواجد الأميركي في المنطقة "وضعا جديدا من شأنه خلط الأوراق و توفير مناخ أكثر مواتاة لاستمرار تواجد القوات الأميركية في العراق ، وإعطاء واشنطن أوراق ضغط على النظام السوري ليست موجودة بحوزته حتى الآن".
إلا أن ما يلفت الانتباه في التقرير هو إشارته لمشاركة أكاديميين غير سوريين في مناقشة فكرة "البؤرة المسلحة" ، وبشكل خاص الدكتور وليد فارس ، مستشار الكونغرس الأميركي لشؤون الإرهاب ، وضابط الارتباط السابق بين "حزب الكتائب" اللبناني وإسرائيل مطلع الثمانينيات الماضية وكان " فارس " هرب من لبنان العام الماضي بعد أن أبلغ بأن مخابرات الجيش اللبناني على وشك اعتقاله في سياق تفكيك " شبكات التجسس الإسرائيلية".
ويعزو التقرير فكرة "البؤرة المسلحة" إلى فارس نفسه ، لكنه يرجح أن يكون جوشوا مورافشيك الأميركي ـ الإسرائيلي وأحد أبرز المحافظين الجدد ، أول من اقترح الفكرة وروجها في أوساط المعارضين السوريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ويرتبطون بأجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية مثل رضوان زيادة وعمار عبد الحميد وفريد الغادري.
ويعتبر التقرير "مورافشيك" وزير مالية "الظل" للمعارضة السورية ، والقناة الأساسية التي تمر منها مساعدات الاستخبارات الأميركية لـ"إعلان دمشق" خارج سوريا وداخلها بواسطة أسامة المنجد و رضوان زيادة.
يشار أخيرا إلى أن السيناتور جون ماكين ، وفق ما نقلت عنه صحيفة " النهار" اللبنانية ، كان أعلن مؤخرا عن أسفه لعدم وجود "بؤرة عسكرية" في سورية تتيح للولايات المتحدة التدخل في سوريا كما فعلت في ليبيا.