تقدم الحدث في سورية وكبر عن كونه مجرد تآمر أو عدوان محدود، لقد شارف أن يكون حرباً بكل أبعاد الحرب وأدواتها،
فحينما يكون قتل الأنفس البريئة بهذه الأعداد وعلى هذه الأسلوبية المنحطة فإن ذلك لابد أن يكون علامة من علائم الحرب على سورية.
وحينما تتحول الشعارات عن مداها وعن مسارها لتصبح مكثفة في تمزيق الوطن والعبث بمصيره واستنهاض دوافع الحقد عبر الطائفية والمناطقية فإن ذلك لابد أن يستقر عاملاً حيوياً أيضاً من عوامل الحرب على سورية، وحينما تنتشر الجريمة بهذه السادية فتقطع أوصال البشر ويدفنون أحياء وتنتهك أعراض العربيات الحرائر فإن ذلك لن يخرج عن كونه مؤشراً على حرب حقيقية على سورية، ومعطيات الحرب هذه لاتنفذ أبداً فكل سلوك من هذه العصابات هو إعلان للحرب على الوطن وليس على النظام، على الوجود السوري الراسخ وليس على الأخطاء والفجوات ومواقع الفساد وهذا بدوره موشر آخر على أن الذي يشن على سورية هو حرب منظمة انطلقت من المواخير وتم تجهيزه بكل وسائل الموت وتم اختيار أفراد وخلايا ومجموعات لتنفيذها هم أعداء الحياة وأعداء الإنسان وأعداء القيم وأعداء الله قبل هذا وذاك وقد يتخذ بعضهم من الإسلام العظيم دريئة وذريعة لكنهم بالتأكيد أعداء للإسلام وقد يلتحق بهذه المجموعات المشؤومة من أصحاب القلوب الميتة والنفوس المنحرفة والعقول المنخورة وذلك كله يجتمع لكي يدل الدنيا كلها على أن بلدنا هو في مواجهة عصابات من الداخل على اختلاف درجاتهم وتوصيفاتهم وفي مواجهة مؤامرةكبرى تقودها دول كبرى في الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي، وتضغط النزعة المنهجية لكي نبرأ الجماهير المتظاهرة أياً كانت دوافعها وأياً كان سقف شعاراتها عن هذه العصابات التي ولدت في الظلام وتنفست في الرطوبة وراهقت على رائحة الدم والفعل الحرام، إن الجماهير هي الوطن ولا يحق لأحد أن يشكك بموقفها ونشاطها، والشعب على حق وإن أخطأ تحت وطأة الاختلاط والانفعال كما كان يقول أفلاطون وهو يصف حضارة هذا الشعب شرقي المتوسط وبهذا المعنى فإننا نورد نقطتين هامتين على قاعدة الوعي الضروري والفصل الأكثر ضرورة مابين الجماهير والعصابات القاتلة.
- أما النقطة الأولى فهي أن الفساد في الداخل السوري بكل مستوياته وأدواته والأعماق التي وصل إليها هو الوجه الأول للعملة التي يشكل التآمر الخارجي المقصود والمرصود لذاته والمبني على حسابات فاضحة، هذا التآمر الخارجي هو الوجه الثاني للعملة السوداء، كلاهما انتعش بالآخر، غذاه وتغذى منه مده بالأحقاد واستمد منه الجريمة وتدبير المكيدة بليل، وفي أعماق هذه النقطة يتخلق الآن القانون الأهم في سورية العربية فلقد قدمت التجربة المرة أعمق الدروس والعبر وعلمتنا أن المعتدي على الوطن من الداخل هو شريك ضمني للمعتدي على الوطن من الخارج- وسوى الروم خلف ظهرك روم... فعلى على أي جانبيك تميل، بيت من الشعر في قصيدة أطلقها متنبي العرب في خطابه لسيف الدولة الحمداني ومازالت أبعاد هذا البيت تصلح بدقة واستعبار لتكون موجهة للرئيس بشار الأسد وما أسوأ روم الداخل وما أحقرهم في هذه اللحظة إنهم صناع الفساد والعصابات والجريمة، وهم ليسوا أكثر من فواصل متناثرة أغوتها الاستجابة لروم الخارج هناك في واشنطن وباريس ولندن وفي مغاور متخلفة تقع على الحدود المجاورة لسورية من هذا الاتجاه أو ذاك، وأعود للقول بأن موعد التخلق والانبعاث في سورية سوف ينطلق من استيعاب دروس هذه المتلازمة ما بين قاتل من الخارج وقاتل من الداخل وعندها سيكتشف الجميع بأن سورية موجودة لتبقى ولكن الأهم أنها موجودة لتنبعث على قواعد الحياة الحرة الكريمة بأبنائها ذاتهم وبمعايير الوطن والشيم التي استقرت كابراً عن كابر في بلد هو مبتدأ التاريخ وخبره.
- وأما النقطة الثانية الهامة بما تلقيه من تفاعلات على الحدث في سورية فهي قصة هذا الإعلام الهمجي الذي فاجأ الجميع بأنه لا يملك من شروط العمل سوى هذا الحقد على سورية، فضائيات كنا نعتقد أنها مدارس في الإعلام والموضوعية والتوثيق والحياد فإذا هي تظهر على حقيقتها الآن وكأنما كانت خلال عشرات السنوات تتدرب على كيفية بناء الأحقاد وبث السموم في الداخل السوري، كأنما هذه الفضائيات كان يستبد بها جوع رهيب وعطش حارق حتى جاءت لحظة التعبير عن منطقها وأهدافها في الحرب على سورية شعباً ونظاماً وقيماً، وظهر الآن أن الأداة الإعلامية هي العامل الأول في الحرب الراهنة علينا بينما يأتي الموت بطريقة الغدر ليشكل العامل الثاني في أدوات الحرب علينا ويستتبع العاملون آليات وأدوات لا حصر لها من الحصار والتلفيق والتزوير والتجارة بالديمقراطية وبالدين وإخضاع الطاقة التكنولوجية للبشر، وهي ثمرة العلم في نقل الصوت والصورة لدوافع الحقد ومتطلبات نشر الجريمة في سورية ، وقد صار لهذه الحرب الإعلامية علينا عمر وخبرة وأظافر وأنياب وانكشفت الحقيقة فإذا العلم بلا أخلاق وإنما هو وسيلة جهل وإبادة وإذا التكنولوجيا بلا قيم ومعايير ضابطة إنما هي خدعة كبرى لأن العقل الذي أنتجها هو بلا ضمير وبدون ملامح إنسانية واضحة.