إن كنتُ أملك على الورق (30) دونماً مشجّرة بالزيتون مثلاً، فما علي سوى تقديم بيان قيد عقاري يثبت هذا الأمر لأحصل على (15) ألف ليرة سنوياً وهو قيمة دعم هذه المساحة من الأراضي المزروعة بالزيتون ويكفي أن يُكتب على بيان القيد كلمة مشجّرة للحصول على (500) ليرة عن كل دونم، وإن كنتُ أعمل وأحرث وأصرف على (50) دونماً من الزيتون وليس معي سند ملكية بها فلا أستحق أي ليرة!
تقول المادة (2) من المرسوم التشريعي رقم (29) لعام 2008: (يحدث لدى وزارة الزراعة صندوق يسمى صندوق دعم الإنتاج الزراعي ويحق له إحداث فروع في المحافظات ويرتبط بالوزير.)
وتقول المادة (3) من هذا المرسوم: ( ترصد للصندوق سنوياً المبالغ اللازمة لتغطية نفقات الدعم للقطاع الزراعي التي يتم اعتمادها أصولاً بحيث يساهم هذا الدعم في تحقيق الأمن الغذائي والكفاءة الاقتصادية للعملية الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية للإنتاج الزراعي.)
وقد جاء هذا المرسوم ليعوّض غياب الأشكال السابقة لدعم الإنتاج الزراعي وبشكل يعطي عملية الإنتاج الزراعي دفعة معنوية كبيرة انطلاقاً من الأهمية الكبيرة التي توليها لهذا الإنتاج وقد قوبل المرسوم بارتياح كبير بأوساط المزارعين، وخاصة أنه جاء بعد الارتفاع الكبير بأسعار الأسمدة الكيماوية والعديد من مستلزمات الإنتاج الأخرى لكن التنفيذ كان بعيداً عن مضمون هذا المرسوم في مطارح كثيرة.
هناك ما مجموعه (244418.19) دونماً من أصل (674865.73) دونماً مشجرة بالزيتون دخلت التنظيم الزراعي واستفادت من صندوق دعم الإنتاج الزراعي أي فقط ما نسبته (36.2%) أما بقية المساحات فيعترضها موضوع تشتت الملكية وغير ذلك ولم يستطع أصحابها الاستفادة من الدعم حتى الآن، وهذا الأمر ينسحب على بقية الزراعات فنسبة استفادة كروم التفاح من الدعم وقفت عند (39.6%) والحمضيات عند (44.2%) والبندورة عند (14%) وهذا الأمر يمكن أن يتجه للحل في السنوات القادمة رغم المعاناة في ذلك مع الإشارة إلى المبلغ المخصص لدعم المزارعين المتقدمين بطلباتهم للصندوق بين 25/10 و31/12 من العام الفائت هو (108875576) ليرة سورية.
ما حدث في مفردات تخصيص مبالغ الدعم هو أن كل من قدّم سند ملكية بمساحات معينة أو برخص بيوت بلاستيكية حصل على الدعم وربما هناك من لا يعرف أين تقع الأرض التي قبض عنها مبلغ الدعم، والأمثلة كثيرة ومن السهل الحصول عليها من خلال مراجعة الأسماء التي تمّت الموافقة على دعمها والصادرة عن صندوق الدعم أو من خلال كشوف (التقبيض) في المصارف الزراعية وحتى الآن لا تبدو أن هناك أي مشكلة لكن المشكلة الحقيقية هي أن المالك هو غير المستثمر، وبالتالي فإن من يتكفّل بالمصاريف وبأعباء الإنتاج الزراعي لم يقبض في أماكن كثيرة، ومن يملك على الورق فقط ولا يعمل أي شيء أو يتكلّف أي شيء قبض كل شيء!.
واقع محافظة طرطوس وخاصة جنوب صافيتا والصفصافة وقسم من سهل عكار مختلف تماماً عن المناطق الأخرى، حيث تضيع الملكية بين أجيال وتكثر الحيازات غير الموثقة إضافة إلى أراضي الإصلاح الزراعي ولهذا بدأت الشكوى هنا من عدم استفادة البعض في الوقت الذي تطفّل فيه بعض الملاك على حقوق المزارعين فقبضوها كلها!
مديرية الإنتاج الزراعي في زراعة طرطوس اقترحت لحل هذه المشكلة استمارة كشف حسّي تتضمن رقم العقار واسمه ومساحته ومنطقته العقارية واسم المالك واسم المستثمر ونوعه والمحصول المزروع فيه، وبناء على الكشف الحسي يتم تقرير مبلغ الدعم وتوزيعه على من يستحقه وفق شروط الاستثمار بين المالك والمستثمر.
هناك عقود مزارعة وعقود مغارسة وعقود آجار وغير ذلك من علاقات زراعية متنوعة، فهل يجوز أن يأخذ الدعم من لا يصرف على الأرض أي شيء ولا يساهم في عملية الإنتاج الزراعي؟
مدير أحد المصارف الزراعية في طرطوس اعترف بوجود مثل هذه الحالات لكنه قال: إنه كمصرف زراعي لا علاقة له بهذا الأمر، متمنياً أن يعود الدعم على ما تقدمه الدولة من مستلزمات إنتاج وخاصة الأسمدة بدل الكتل المالية التي تصرف حالياً فنضمن أن الدعم يصل لمن يزرع ويصرف على الأرض، لأن من لا يشترك بالعملية الإنتاجية لن يشتري السماد وحتى لو كان مدعوماً.