هل حدث من قبل أن تحدثت أي من وسائل الإعلام الرائدة في الولايات المتحدة بشأن حقيقة الروابط بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»؟ .
إن دعم الولايات المتحدة لقيام «إسرائيل» في الشرق الأوسط كان خطأ مكلفاً، ولم يكن دافعه المصلحة الوطنية الأميركية، بل اعتبارات سياسات رئاسية تافهة.
فقد أيد ترومان قيام دولة «إسرائيل» من أجل الحصول على الأصوات اليهودية الأميركية هذه هي الحقيقة الناصعة: رئيس الولايات المتحدة وضع فرصه الانتخابية فوق المصلحة الوطنية.
على ما يبدو في تلك الأيام كان باستطاعة مجلة التايم كشف الحقيقة الناصعة دون القلق من نفوذ الجالية اليهودية الأميركية، وهنا مقطع ورد في المجلة آنذاك: إن كلمة «الأميركان» لم يعد لها صدى جيد في منطقة الشرق الأوسط من أجل الحصول على الأصوات اليهودية في الولايات المتحدة، طالب الرئيس ترومان في عام 1946 البريطانيين بقبول مئة ألف لاجئ يهودي في فلسطين وكان ذلك انتهاكاً صريحاً للوعود البريطانية للعرب، ومنذ ذلك الحين، تنظر الدول العربية المحيطة بـ«إسرائيل» إلى «إسرائيل» على أنها صنيعة الولايات المتحدة، وبالتالي يعتبرون الولايات المتحدة عدوا لهم، لقد خلفت الحرب بين «إسرائيل» والعرب ما يقرب مليون لاجئ فلسطيني مكثوا لمدة ثلاث سنوات في مخيمات بائسة، وهؤلاء اللاجئون، الذين لم تشعر لا الولايات المتحدة ولا «إسرائيل» بأدنى مسؤولية تجاههم، مازالوا يشعرون بالكره تجاه غدر الولايات المتحدة بهم.
هذه المواقف لا تعكس عداوة للعرب، وليس مصدرها انانية وطنية، ولكنها تمثل سلوكاً أخرق وحسب ولم تكن الجريمة الأميركية مساعدة اليهود، بل مساعدتها لهم على حساب العرب.
اليوم، يخشى العالم العربي بل ويتوقع المزيد من التوسعات الإسرائيلية ويدرك العرب جيداً ما يقوم به نائب رئيس الولايات المتحدة البن باركلي الذي يجوب بلاده ويلقي الخطابات من أجل جمع نصف مليار دولار لـ«إسرائيل» وهو أكبر مبلغ يطلب جمعه من العامة ويقول الجمهور الأميركي بمرارة لا أحد يجمع لنا هذا المبلغ.
لا تنظر التايم إلى «إسرائيل» على أنها ضحية ولا يوجد أي إشارة فيها إلى أن «إسرائيل» هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وبدلاً من ذلك، تقول التايم إن «إسرائيل» أقيمت على حساب العرب وهي ترفض تحمل المسؤولية تجاه مليون لاجئ فلسطيني فضلاً على أنها السبب الأساسي لكره العرب للولايات المتحدة لا تتحدث عن التهديدات العربية لـ «إسرائيل» في نصف القرن الماضي، لكنها تحدثت عن مخاوف العرب من توسعات إسرائيلية جديدة.
الضحايا الحقيقيون هم الفلسطينيون وهناك تعاطف معهم، إن الحرب بين «إسرائيل» والعرب خلفت لما يقرب من مليون لاجئ فلسطيني وهناك تعتيم كبير على حقيقة أن اللاجئين العرب هم ضحية الحرب الإسرائيلية العربية لقد نجحت الدعاية الإسرائيلية منذ البداية في طمس هذه الحقيقة، ولا يوجد أي اعتراف بعمليات التطهير العرقي الإسرائيلي المخططة ضد الفلسطينيين أو المجازر التي قامت بها «إسرائيل» وأثارت غضباً عارماً.
والمثير للدهشة - الشيء الذي لا يمكننا اليوم رؤيته أو سماعه - أن التايم كانت قادرة على التعاطي مع المسألة من عيون عربية وعنونت مثلاً: «كيف فشل العالم بأسره في إعادة اللاجئين إلى أراضيهم والذين لا تشعر لا الولايات المتحدة ولا «إسرائيل» بالمسؤولية تجاههم سيواصلون حياتهم بكره متنامٍ للولايات المتحدة».
وهذه الصراحة الصحفية ليست بشيء جيد لـ«إسرائيل» ما دفع بالمنظمات اليهودية الكبرى على الفور إلى استعراض عضلاتها وقدمت للشرطة شروطاً حول ما ينبغي على وسائل الإعلام الأميركية كتابته أو قوله عن «إسرائيل» وقد نجحت تدريجياً في تثبيت هذا الأمر ولـ«إسرائيل» اليوم علاقات مع جميع وسائل الإعلام الأميركية ولا يستطيع أحد الخروج عن قواعد وشروط الجالية اليهودية ذات النفوذ الكبير في الولايات المتحدة لكننا نشهد هذه الأيام بعض التغيير حيث إن «إسرائيل» باتت تؤثر سلباً على مصالح الولايات المتحدة وعلى السلام في العالم وهذا شيء لا يمكن لأحد نكرانه لكن هذا التحول مؤقت لأن الجماعات المؤيدة لـ «إسرائيل» تحارب مجدداً والأصوات القليلة التي تنتقد «إسرائيل» يمكن إسكاتها عن طريق تصنيع بعض الأحداث ليس أقلها هجوم ارهابي آخر على الأراضي الأميركية.